المنشور

أين تذهب النقود؟

تتم معرفة الكيفية الحقيقية لتأزم البلدان المالية الغربية، وهي بلدان ذات موارد جيدة عامة، وتعيشُ في اقتصاد غربي متطور، وفجأة تشتعلُ الأضواء الحمراء وتنادي: أنقذوني! أحتاج إلى سيولة ضخمة!
أغلب المشكلات في الغرب تتركز في أزمات مالية تجتاح المصارف بسبب سياسات القروض، وهو أمرٌ تختلف فيه عن دول الشرق التي لا تتركز الأزمة في البنوك بل في الميزانيات الحكومية وهي المغايرة للغرب في سياساته المالية.
في اليونان وأيرلندا وأسبانيا الأزمة في الوضع النقدي للبنوك:
(وتنفق ايرلندا حالياً نحو 19 مليار يورو أكثر ايراداتها من الضرائب والعائدات الاخرى، بيد أن الازمةَ التي ضربتْ قطاع المصارف في البلاد تستدعي ضخ دعم مالي ضخم لدعم استقرار النظام المالي في البلاد. وقدرت الصنداي تايمز حزمة الانقاذ المالي لايرلندا بنحو 120 مليار يورو، أي أكثر من حزمة الدعم المقدمة لليونان على مدى ثلاث سنوات وهي 110 مليارات يورو).
سياساتُ البنوك في الإقراض تعبرُ عن شهيةٍ مالية مفتوحة واسعة، ووراءها مطالبات اجتماعية معيشية لتطوير حياة الناس في الغرب بشراء المساكن وبتوسيع التجارة والمبالادت.
لكن مستويات عمل الغربيين تتقلص فهم يريدون عيشة مرفهة لكن على حساب القوى العاملة الأجنبية الرخيصة الأجور التي تتدفق على الغرب، والتي تحولُ أموالَها لبلدانها الأصلية حيث تتصاعد عمالقة الرأسمالية الجديدة في البرازيل والصين والمكسيك وكوريا الجنوبية وغيرها.
تجدُ الصينَ ذات الفقرِ القريب العهد هي التي تتحولُ لها الأموال، وتغدو قادرةً على تسليفِ أغنياء الغرب الكبار! وذلك بسببِ ضخامةِ قوى العمل وأجورِها المتدنية في الداخل وقيامها بتصنيع هائل تصديري، وسيطرة عمالقة الاقتصاد التخطيطي (الاشتراكي) على الآفاق الراهنة والمستقبلية للاقتصاد!
إن المشكلات المالية لبعض دول الغرب تَنتجُ من اقتصادياتٍ ذاتِ إمكانيات أقل من جيرانها الأوروبيين الأكثر ثراءً أصحاب المعادن والخامات وشبكات الاقتصاد الواسعة، وهي البلدانُ الهامشيةُ في عالم الغرب الثري، حيث الفقر الأوسع، وحيث عهود من دكتاتوريات قريبة الانهيار ومن تكاليف حروب سابقة.
حراكُ النقودِ واضحٌ في الغرب خاصةً ويقلُ وضوحاً كلما اتجهنا شرقاً، ومن هنا نجدُ أن أرصدةَ الحكومات وميزانياتها دقيقة، ومشكلاتها المالية معروضةٌ منذ زمن بعيد، وتُطرح حلولُ المشكلات على الملأ، وتعمل الأحزابُ على أساس هذه الحلول، وتتصارع على تفاصيلها، وتجيشُ المظاهرات لتعديلها وتحرك الكتل البرلمانية لدعمها أو تغييرها.
كلُ المواد الاقتصادية للحكومات وأوراقها المالية معروضة على الجمهور، وكل إبرة مرصودة في الميزانيات. لهذا تغدو الأخطاء وتصحيحها واضحين. لكن يحدث الاختلاف في البرامج الاجتماعية للأحزاب، فكلٌ يدافعُ عن قرصه الشعبي.
أما في الشرق فالأمرُ بخلاف ذلك، فنجد البنوكَ هي الأكثر استقراراً وانضباطاً مالياً، فيما الحكوماتُ هي التي تعاني!
فالبنوكُ في الشرق تعملُ كما لو انها حكومات غربية، مدققة في كل جزئية مالية، في حين أن أموال الحكومات ورسومها وضرائبها ودخولها ومصاريفها تائهة، ضائعة بين الكثير من الملفات والأجهزة والإجراءات.
ويحدث التآكلُ المالي لها عبر إمساكها بأغلبية البرامج الاقتصادية والسياسية والتجارية، فتنشأ شبكاتٌ هائلة تعملُ بأشكال روتينية بطيئة، وبطرق غالباً منفصلة وتتم التوظيفات والعلاقات على أسس القرابة والصداقة والحزبية فيَحدثُ صرفٌ هائل وتقل الدخول، بل ان الدخول تتعرضُ لمشكلات المواد الأولية والتصنيعية في السوق العالمية، التي هي بدورها عرضة للتقلبات.
وتنشأ كلُ هذه العلاقات بدون أجهزةٍ عليا رقابية وتخطيطية وبدون رقابات برلمانية دقيقة، فتتسربُ الموارد من بين الأصابع.
وتقوم هذه الدول بالتسلف مراراً وتكراراً فتنشأُ مشكلات القروض وفوائدها، فندخل شبكات التحلل المالي التدريجي، عبر زيادة الصرف وقلة المداخيل، وتبحث مثل هذه الحكومات عن الحلول الاقتصادية السهلة في بيع بعض الممتلكات العامة أو وضع المشكلات على عاتق القطاعات الخاصة أو الجمهور.

صحيفة اخبار الخليج
11 ديسمبر 2010