المنشور

تداعيات الانتخابات البحرينية


كما كان متوقعاً فإنه ما إن أعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية البحرينية حتى توقفت المجاديف عن التجديف السريع العالي الوتيرة وعادت القوارب المتسابقة إلى مستقرها، كل منها إلى مرساه ساكناً “هادئاً” .
 
حتى الفترة الزمنية القصيرة التي تعقب الانتخابات والتي تشهد عادة تقديم وتدقيق كشف الحساب بالنسبة إلى لكل الأطراف المشاركة في الانتخابات الخاسرة منها والرابحة، جاءت خلواً من أي صخب أو مواقف درامية على نحو ما حدث مثلاً في أعقاب انتخابات ،2006 حيث “أطلقت القذائف” من هنا وهناك على خلفية اللغط الذي دار قبل وأثناء تلك الحملة الانتخابية حول الدور المرسوم للمراكز العامة في التدخل الحكومي لحسم نتائج “بعض” الدوائر “المستعصية”، والتي استمر إطلاقها لحين نفاد الذخيرة وبدء مفعول الإعياء من معاناة الخروج من السياق الانتخابي، الإعياء الذي أخذ مأخذه من جراء معاناة الخروج  إنما بشرف  من السباق الانتخابي .
 
ولكن الدقة تقتضي منا القول إنه كانت هنالك ردات فعل تم تسجيلها عبر مواقف الكيانات السياسية التي لم توفق في تحقيق الاختراق المأمول، بيد أنها كانت ردات فعل هادئة بقيت ضمن الحدود المعقولة والمقبولة المعتادة في مثل هذه الحالات .
 
ولكنها، من ناحية أخرى، كانت درامية من نوع خاص، ذلك أن التراشقات النقدية وإلقاء الملامة والمسؤولية في ما آل إليه خروج الكيانات السياسية خالية الوفاض أو متواضعة الحصاد، قد تحولت هذه المرة من الحكومة إلى علاقات التحالف البينية التي كانت إلى ما قبل الانتخابات تنتظم الكيانات المؤتلفة مثل تحالف المنبر الإسلامي (إخوان) مع الأصالة (سلف)، والتحالف السداسي .
 
فلقد انفرط عقد تحالف الإخوان (جمعية المنبر الإسلامي) مع السلفيين (جمعية الأصالة)، ما أدى إلى نتائج عكسية على حصتها البرلمانية، حيث مني “الإخوان” بخسارة كبيرة، إذ لم يتمكنوا من توصيل سوى مرشحين اثنين فقط، وهم الذين كانوا مُمَثلين بسبعة نواب في المجلس السابق . ولم يكن حال حلفائهم السلفيين أقل سوءاً حيث تقلص عدد المقاعد التي فازوا بها من 8 في انتخابات 2006 إلى ثلاثة فقط في البرلمان الحالي .
 
وفي الواقع فإن هذا الانحسار الكبير لنفوذ تيارات الإسلام السياسي السني لا يعزى فقط إلى انفراط عقد تحالف واجهتيه السياسيتين الرئيسيتين “جمعية الأصالة” و”جمعية المنبر الإسلامي”، وإنما إلى عدم رضا الناخبين في دوائرهما الانتخابية عن أداء نوابهما طوال السنوات الأربع من عمر المجلس السابق .
 
ولعل التطور الأبرز الذي شهدته الانتخابات، وما تمخضت عنه من نتائج وردود أفعال، يتمثل في انفراط عقد ما يسمى بالتحالف السداسي الذي كان يضم جمعيات “الوفاق الإسلامية”، و”العمل الوطني الديمقراطي” (وعد)، و”العمل الإسلامي”، و”التجمع القومي”، و”المنبر التقدمي”، و”الإخاء الوطني”، والذي داوم على مدى السنوات الأربع الماضية على تنسيق مواقفه تجاه عدد من الملفات والقضايا السياسية والاقتصادية الساخنة، وذلك على خلفية أساليب التشهير والتسقيط التي استخدمتها كبرى جمعيات هذا التحالف وهي “جمعية الوفاق” ضد مرشحي بعض جمعيات التحالف (المنبر التقدمي والتجمع القومي)، فقط لأنها دفعت بواحد أو اثنين من مرشحيها لخوض الانتخابات في دوائر اعتبرتها “الوفاق” دوائر مغلقة في وجه أي مرشحين آخرين غير مرشحيها، وكأنها أممتها وحولتها إلى إقطاعية حكراً عليها .
 
لقد كانت منذ البداية زيجة سياسية غير متجانسة وغير متكافئة، اضطر بعض أطرافها إلى “الدخول في قفصها” اضطراراً، كما قلنا . ذلك أنها جمعت بين ضدين مختلفين في الجوهر، إذا ما أخذنا في الاعتبار المحتوى الاجتماعي والثقافي لبرنامجي التغيير المعتمدين لدى كل منهما ونوعية التحولات الاجتماعية والثقافية التي يستهدفانها . ناهيك عن تنافر أمزجتهما الناتج بالضرورة من استبطان الفوقية والاستعلائية، إنما التي لا تخطئها عين، في تعامل الضد “الأكبر” مع الضد “الأصغر”، ونظرته إليه . . أي أن “اقتصاديات الحجم” (إذا ما استخدمنا المصطلح الاقتصادي) تَفْرِق هنا .
 
وعلى ذلك فإن من الصعوبة بمكان فهم الدعوات للإبقاء على “زخم” هذا التحالف السداسي المتنافر تحت مسوغات البرغماتية السياسية التي تصل حد التهالك والنفعية السياسية المتملقة والبائسة بمنظورها الغافل الساذج الذي أسهمت بموجبه جمعيات التحالف ذات النفس الوطني والديمقراطي، بوعي وليس من دون وعي، وخلال السنوات الثماني الماضية من هذا التحالف، في رفع منسوب وجرعات تديين المجتمع البحريني قبالة عملية تمدينه الطبيعية التي تمليها عملية إعادة إنتاجه الجارية والموسعة، وتغوّل الخطاب الديني الزاجر والمتعالي وتنمره وتطاوله على المجتمع وعلى هيبة الدولة ومؤسساتها .
 
 . . نعم في هذا تتحمل قوى التيار الديمقراطي جزءاً كبيراً من المسؤولية، ثم إننا حتى لو سلمنا بمنطق بعض مكونات التيار الديمقراطي القائل بإمكانية وضرورة الائتلاف مع تيارات الإسلام السياسي، فإننا لا بد أن نتساءل، وعلى أي أساس يجري هذا التحالف؟  . . على أجنداتها المعلنة أم الأخرى الخفية التي تستبطنها؟
 
هذه جزئية تفصيلية مهمة يجب عدم إغفالها، فمن الضروري أن تعرف شريكك قبل الدخول في شراكة معه . ذلك أن الجماعات الإسلامية درجت على استبطان أجندات غير تلك التي تظهرها في العلن، والتي يمكن الاستدلال عليها واستشفافها من ممارستها لها عملياً، فهي بمنزلة “غيتوات” مغلقة حصراً على أعضائها وطائفتها وعالمها الخاص . ولذا فإن تطوع مكونات التيار الوطني للائتلاف معها قد قدم لها هدية من السماء بتوفيرها لها الغطاء الوطني الذي تفتقده، والذي وظفته أيما توظيف في إبعاد شبهة الطائفية عنها .
 
فهل يكون التيار الوطني والديمقراطي في البحرين قد تعلم الدرس أم أن التذرع بالبراغماتية السياسية البائسة سوف يستمر، باعتبارها “التكية” التي سيتم الاتكاء عليها في تبرير عدم فسخ تلكم الزيجة . . “الإذعانية” في مضمونها .