المنشور

مؤشر خادع للتضليل الطبقي


في التصنيف، الذي أجرته مؤسسة وول ستريت الإعلامية المالكة لصحيفة وول ستريت جورنال وأم إس إند موني وموقع مجلة نيوزويك وصحيفة ذا ستريت الأمريكية جرى وضع الكويت في المركز الثالث عالميا وفقا لمؤشر حصة الفرد من إجمالي الناتج المحلي, ووفقا لمؤشرات أخرى تتعلق بالتعليم والإنفاق عليه ومعدلات البطالة… وذكر التصنيف أن “حصة الفرد في الكويت من إجمالي الناتج المحلي بلغت 53395 دولارا.

وربما خدع هذا المؤشر كثيرين، فهو يقوم على حساب المعدل الوسطي لحصة الفرد من الناتج المحلي، وذلك عن طريق تقسيم رقم الناتج المحلي الإجمالي على إجمالي عدد السكان في الدولة، وذلك بغض النظر عن أعمار هؤلاء الأفراد ونوعيات مهنهم وأعمالهم ومستويات دخولهم الفعلية والطبقات الاجتماعية، التي ينتمون إليها، ومناطق سكناهم، بل بغض النظر عما إذا كانوا من المواطنين أو الوافدين… حيث يهدف هذا المؤشر بالأساس إلى تصنيف الدول إلى غنية أو فقيرة، ولا يمكن اعتماده لغير هذا الغرض القياسي المحدد، إذ أنّه لا يمكن أن يدل هذا المؤشر على واقع التوزيع الفعلي للدخل بين أفراد المجتمع، ولا أن يعبّر عن مستوى المعيشة الحقيقي أو نوعية الحياة، بل أنّه لا يعكس مستوى الرفاه الاقتصادي في هذه الدولة أو تلك.

ولا أحسب أنّ هناك مَنْ يمكن أن يصدّق أنّ نصيب الفرد الواحد في الكويت يبلغ أكثر من 53 ألف دولار أميركي سنويا، أي نحو 15 ألف دينار كويتي، وذلك بغض النظر عما إذا كان هذا الفرد طفلا أم راشدا، وما إذا كان معيلا أم معالا، وأيا كانت جنسيته كويتيا كان أم وافدا، وكذلك بغض النظر عن طبقته الاجتماعية… ويكفي أن نعرف أنّ هناك 27 ألف أسرة كويتية تعتمد في معيشتها على المساعدات الاجتماعية المقدّمة إليها من وزارة الشؤون الاجتماعية، هذا إذا تجاوزنا ألوف الأسر الكويتية، التي تلجأ إلى “بيت الزكاة”، ولا يمكن تصوّر أن تصل حصة الفرد الواحد من أفراد هذه الأسر الفقيرة إلى 15 ألف دينار سنويا، أي أكثر من ألف دينار شهريا لكل فرد.

وغير هذا فإنّه وفقا للأرقام الرسمية المنشورة نجد أنّ معدل التضخم النقدي في الكويت قد ارتفع خلال السنوات الثلاث الأخيرة لأكثر من 20 في المئة، فيما لم ترتفع الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية إلى هذه النسبة، وهذا يعني أنّه على الرغم من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي للدولة جراء ارتفاع أسعار النفط فقد نقصت القوة الشرائية والدخول الفعلية للعمال والموظفين والمتقاعدين إلى نحو خمس ما كانت عليه في بداية العام 2008، هذا ناهيك عما تعرضت له “الطبقة الوسطى” من تآكل لمدخراتها جراء التضخم من جهة والأزمة الاقتصادية من جهة أخرى.

أما اعتماد التصنيف المنشور أخيرا على مؤشرات أخرى تتعلق بالتعليم والإنفاق عليه ومعدلات البطالة، فلابد من توضيح أنّ بعض الأرقام الواردة فيه ليست دقيقة، فالإنفاق على التعليم في الكويت موجّه في غالبه نحو بند الرواتب؛ أما الجزء المخصص للإنفاق على تطوير التعليم فمحدود جدا، وكذلك فإنّ معدل البطالة في الكويت الوارد في التصنيف المنشور لا يعكس الحقيقة، فهو لا يشير إلى معدل البطالة بين الكويتيين، وهذا هو المؤشر الأهم من مؤشر معدل البطالة في الكويت، الذي يشمل الكويتيين والوافدين معا، إذ يبلغ معدل البطالة بين الكويتيين وفقا للبيانات الرسمية نحو 5.9 في المئة في العام 2008 وهناك مؤشرات على اتجاه هذا المعدل نحو الارتفاع خلال السنوات المقبلة.

باختصار، فإنّ اعتماد استخدام مؤشر متوسط حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي  في غير الغرض المحدد له في تصنيف غنى الدول وفقرها، إنما يهدف إلى خداع الطبقة العاملة وتضليل الفئات الشعبية وإخفاء حقيقة الفوارق الطبقية العميقة والتوزيع غير العادل للدخل بين الطبقات الاجتماعية المختلفة.
 
جريدة عالم اليوم 25 نوفمبر 2010