المنشور

نقد منظومتنا التربوية

تعليقاً على مقال سابق كتبته بعنوان: «اطفال أذكياء.. مجتمعات غبية»، تلقيت رسالة من تربوية مخلصة لمهنتها، ذهبت فيها الى أن المسألة ليست مسألة ذكاء الأطفال فحسب، وانما تطال العملية التعليمية العربية برمتها بدءاً من الطالب الذي هو محورها، مروراً بالمعلم الذي يعد عمادها، مروراً بالبيت الذي هو الداعم والنصير، وربما مروراً بالنظام الغذائي الذي جعل السمنة ظاهرة متفشية بين الصغار، بل تخطى ذلك ليدمغ ثقافة الجيل بغذائها المفضل الذي باتت الآن توصف به «ثقافة البرجر».
وتذكر الأستاذة في رسالتها الى أنها قرأت تقريراُ عن رقائق البطاطا «التشبس» التي تعد زاداً يوميا لأبناء الجيل، بما في ذلك طلبة الجامعات العربية، يفيد أن هذه المادة تمنح الصغار طاقة متوثبة نتوهم أنها مؤشر ذكاء لعلمنا أن حركة الصغير المستمرة ما هي إلا قدرات عقلية يفرغها الصغير بكثرة تقافزه.
ولكن التقرير يفاجئنا أن هذه الطاقة لا علاقة لها بالذكاء وأن سببها المواد المختلفة التي تضاف إلى هذه الأطعمة من ملونة وحافظة ومنكهة .. وهي طاقة تدفع إلى الهدم والتخريب، لا إلى الخلق والإبداع.
اما نظام التعليم العربي فقد جاءت المناهج في حلة أنيقة من حيث الإخراج، وبكم هائل من المعلومات التي يتسابق نظام الامتحانات في استخراجها، والدرجة الأعلى لمن حفظ أكثر.
والحفظ – على ضرورته باعتباره مرحلة لعبور المعلومة، يبدو متواضع القيمة إذا تم تصنيفه واحداً من مهارات التفكير، والمناهج العربية بعد ذلك لا تكاد تفسح مجالاً لمهارات التفكير الناقد من خلال التعبير الشفوي وإن اشتملت المناهج على بعضها.
ومن شاء أن يتحقق من ذلك، والكلام لازال لها، فليترك واحدا من أبنائنا العرب يحمل (الميكرفون) لدقائق خمس أمام الجمهور في أي موضوع شاء، ليعلم أن المناهج صنعت تلميذاً ربما يكون قادراً أن يحصل في الثانوية العامة على 90% أو أكثر، لكنها عجزت عن خلق تلميذ ذي شخصية شجاعة يملك القدرة على المواجهة والحوار.
ولكي نعرف ما الذي جناه نظام التعليم على الجيل، لننظر الى العلاقة بل القطيعة التي نجح هذا النظام في صنعها بين الجيل والكتاب، وتكفي لمعرفة هذه القطيعة، زيارة أي مدرسة في عالمنا العربي في اليوم الأخير للامتحانات، ليرى أشلاء الكتب الملقاة بإهمال يشبه الانتقام في ردهات المدارس وجنباتها، وكأنهم يثأرون لعذابات الأيام التي قضوها في الحفظ والاستظهار.
ولا يقال هنا إن غرام الجيل بالكمبيوتر جاء بديلاً للكتاب، لأن ما يفتح من مواقع الإنترنت ليس مواقع أبحاث محكمة ولا كتبا مفيدة أو دراسات معمقة، أو منتديات جادة للمدارس أو الجامعات، وإنما مواقع للألعاب ومنتديات الثرثرة التي برع الجيل في معرفة أسمائها بل وتخزينها على الأقراص المختلفة من مدمجة ومضغوطة وضوئية.
وأمام إعلام عربي ضال ومضلل كرس ثقافة «البرغر» أو الاستهلاك، جاءنا جيل يريد أبناؤه أن يكونوا «سوبر ستار» وكلهم يريدون أن يكونوا مليونيرات، فما صنعته «أم كلثوم» في سبعين عاماً يريدونه في أشهر قلائل، وما عاناه رجال وسيدات الأعمال من أثرياء العالم من صبر وكد ومثابرة وخيبات متكررة، يريدونه في ورقة يانصيب، أو برنامج مسابقات يمتد بضع دقائق.
 
صحيفة الايام
1 ديسمبر 2010