المنشور

امرأة من بلادي.. المسافة بين البرازيل والمحرق

هل كانت مصادفة أن تخوض في الأسبوع نفسه من شهر أكتوبر امرأة من المحرق من أجل مقعد بلدي وتنتزعه عبر التصويت، لتكون أول امرأة في تاريخ البحرين تصل إلى هذا الموقع الانتخابي، فيما راحت ديلما روسيف في 31 من أكتوبر تخوض أكبر تجربة في البرازيل، حيث نافست روسيف من أجل رئاسة أكبر بلد في قارة أمريكا اللاتينية، لتكون أول امرأة في البرازيل تحظى بمقعد الرئاسة.
الرمزية بين الاثنتين حاضرة في محاولة المرأة تخطي الممكن والمستحيل، والرمزية أيضاً أن المرأة ليست حديقة خلفية للرجال والمجتمع الذكوري أو أي مجتمع كان، فنساء العالم قررن خوض كل أشكال الصراع والتنافس من أجل انتزاع حقهن الدستوري.
في البرازيل التي كانت تستمع وتصغي إلى 130 مليون صوت، حيث كان المجتمع ينتظر أن تقرر مصيره انتخابياً امرأة تمثل الحركة العمالية، جاءت لتكملة مشوار زميلها بقيادة المرحلة المقبلة للبرازيل، فحجم مسؤولية ديلما كبيرة لا يمكن قياسها بحجم مسؤولية امرأة بسيطة من بلادي مثل فاطمة سلمان، التي كانت تنتظر بضعة آلاف في دائرتها لكي تقول لها أنك الأنسب لنا، حجم الانتصار الرمزي يتسع كلما ربطنا الفوز بالمغزى التاريخي لكل تجربة، ولكن لا يمكن أن نفهم التاريخ بمعزل عن سلسلة التكامل والتواصل والتداخل، فمسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة مثلما الغيث يبدأ بقطرة، لهذا تصبح فاطمة مدخلاً لموضوع تاريخي واسع، فهي تؤسس للعتبة الأولى للبيت الكبير في المشروع الانتخابي والتصويت الحر، تمثل تجربة متواضعة في جزيرة حجم الناخبين فيها كلهم لم يتعد 400 ألف ناخب، ولكنهم يمثلون دائرة حلم شعب يتطلع لمشروع الحرية والتقدم والتغيير مهما كانت لبناته متواضعة وصوته صغيراً في دائرة ضيقة، فلكل فرح إنساني معنى مهما اتسعت جغرافية البلدان وتضخم عدد السكان، فهناك حلم مشترك لدى الشعوب دائماً، تكون المرأة النصف الدائم لذلك الحلم في كل البلدان.
ما فعلته فاطمة سلمان في نطاق دائرة محيطها كان بمثابة انقلاب اجتماعي في تفكير الناخبين، الذين قرروا أن يمنحوا المرأة صوتهم، ليعلنوا أنه ليس بالضرورة أن الرجال ضد المرأة في كل دائرة، وليس دائماً النساء ضد النساء دون معنى أو دلالة.
ما حدث في دائرة فاطمة سلمان إعلان بحقيقة أن المستحيل ممكن، وأن ما كان في الماضي أمراً خارقاً، بات مع انتصار فاطمة مسلمة متآكلة في ذهن العقل المحافظ والمتشدد والمناهض لدور المرأة في مجتمعنا كشريك دائم وثابت في التنمية والتطوير والازدهار.
قد تبدو المقارنة في معناها الواسع مختلفة عن بعدها الضيق، ولكنها في المغزى العام والنموذجي تؤكد لنا حقيقة واحدة هي أن المرأة قوة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية وحقوقية لا يمكن إجهاضها وخنقها كما حدث في التاريخ المظلم والمجتمعات المستلبة من حياة الإنسان ذاته، الذي سمح لنفسه بممارسة التمييز والاضطهاد، فكانت شريكته هي الضحية الأولى. ما حملته فاطمة في بلادنا يشكل درساً تاريخياً، مثلما كانت ديلما روسيف تقدم درساً تاريخياً للبرازيل، عن إن كل الآفاق تظل مفتوحة للمرأة متى ما قررت النضال والمثابرة، من اجل حقها المتساوي في الحياة والمجتمع.
هناك في التاريخ دائماً انتصارات كبرى وصغيرة، تشكل فاطمة وروسيف حقيقتها التاريخية الملموسة، لتفتح لنا فاطمة كوة صغيرة تدخل من ضوئها النساء بكل أمل وطموح، فقد كانت المسافة ضيقة بين منيرة فخرو ومنافسها، ولكن الظروف لم تشأ أن تخترق المرأة جدار النيابي حتى الآن إلا بالتزكية، لتصبح القعود هناك وحيدة بصوتها النسوي، لتبقى الرمزية النسوية حاضرة مهما كنا نراها محدودة، لمعنى نجاح وفوز المرأة داخل المجلس البلدي أو النيابي.
اليوم انتصرت فاطمة سلمان، وغداً تنتصرن مثلها الكثيرات، فلا شيء يوقف عجلة الزمن والتطور والتقدم الاجتماعي، وعلينا أن نؤمن بطاقات المرأة في بلادنا، فهن موجودات وبكل كفاءة في كل زاوية من زوايا حياتنا وأنشطتنا، ومن حاولوا تكميم صوتها وحركتها وطاقتها، هم أنفسهم الذين اكتشفوا أنهم يغادرون مسرح التاريخ عندما يصبح دورهم مشروعاً انتهت صلاحيته وقد حان وقت رحيلهم من فوق ذلك المسرح، لكونهم حاولوا إيقاف عجلة التاريخ وحركته، فتخطتهم قوته الجارفة.
الدرس التاريخي في انتصار فاطمة يحمل الكثير من الدلالات، حيث المرأة اليوم تنتصر في البرازيل نحو الرئاسة، وتنتصر فاطمة بمقعد بلدي لن تسمع به كل مدن العالم، ولكنها عرفت عنه عبر وكالات الأنباء، فصارت المحرق مدينة فاطمة نقطة ضوء في خارطة العالم، لتقول لمن تابعوا التصويت، بأن المرأة في البحرين بخير، والناس أيضاً بخير لكونهم صاروا يميزون بين الضوء والظل والشمس والظلام والحق والباطل والكذب والصدق. في النهاية الأشياء الكبرى والعظيمة دائماً تبدأ متواضعة، تبدو بسيطة كبساطة فاطمة سلمان، التي في النهاية دخلت تاريخنا الانتخابي المعاصر من أوسع أبوابه، فكل من سيأتي باحثاً في مسيرة هذا التاريخ لا يمكنه تخطي اسمها كعلامة تاريخية بارزة، مثلها مثل ديلما روسيف البرازيلية ابنة الطبقة العاملة لنكتشف أن المستحيل صار ممكناً.
 
صحيفة الايام
21 نوفبمر 2010