المنشور

فاطمة سلمان.. رسائل لمن يهمهم الأمر!

 
تحدثت وكأنها تريد أن تبلغنا جميعا رسالة بل رسائل واضحة المعاني لا تحتمل أي تأويل، وبعفوية «محرقاوية» طاغية وبساطة وجرأة لم نعهدها منذ زمن، استطاعت أن تشدنا إليها وهي تتحدث بغصة ظاهرة ومرارة تأبى إلا أن تفصح عن نفسها، حين ابتدأت حديثها بسرد آخر تجاربها حتى تلك اللحظة وما تعرفت عليه للتو من مكائد ربما لم تصادفها من قبل في تجربتها الحياتية، وقد تحدثت بمرارة لا ينقصها التحدي قبيل وأثناء حفل الاحتفاء بفوزها التاريخي بقاعة المنبر التقدمي منتصف الأسبوع الماضي، حول ما دار في أولى جلسات مجلس بلدي محافظة المحرق ، وهو الأمر الذي تناقلته الصحف فيما بعد واتسع لاحقا لتبريرات وتوضيحات من قبل أكثر من طرف.

 
لقد جاء حديث فاطمة سلمان العضو البلدي عن الدائرة الثانية بمحافظة المحرق، وأول امرأة تحظى بشرف الفوز والوصول للمجالس البلدية عبر الاقتراع الحر المباشر متفوقة على عدد من منافسيها من الرجال في دائرة صعبة ومنافسة غير متكافئة، وهي المرأة التي تقول سيرتها الذاتية أنها أعطت من عمرها أكثر من ثلاثة عقود من العمل التطوعي والخيري في داخل البحرين وخارجها، وعاصرت تجارب حياتية وعملية جديرة بالاهتمام والمتابعة، خاصة وان مجال عملها التطوعي هذا لم تحده حدود مناطقية أو تحاصره خصومات الطوائف وسياجات المدن والدوائر المغلقة، كما يحلو للبعض أن يوهم الناس بتلك التقسيمات المشينة التي أضرت كثيرا بوحدتنا وضربت نسيجنا الوطني، ولم تزدنا سوى تشرذما وعبثا من قبل من يدعون الدفاع عن مصالح الوطن والناس وهم ابعد ما يكونون عن ذلك في حقيقة الأمر.

فبرغم تواضع حملتها الإنتخابية وتربص الشائعات التي نالت منها كونها امرأة في مجتمع ذكوري تؤطره مقاسات ومعايير أوصياء الطوائف ورسل التفرقة ودعاة الإيمان الواهم، وهي التي لم تحظ بدعم ومؤازرة جمعيات أو مؤسسات أو حتى صناديق خيرية أو فتاوى أو خُطب تتناقلها الرسائل النصية متوعدة الناس بالويل والثبور وعذاب القبور، إلا أنها استطاعت أن تتفوق وبصبر وجلد يستحق الاحترام والوقوف أمام تجربة نعتقد أنها تحتمل المزيد من الدراسة والتمحيص، فالعمل التطوعي الذي انخرطت فيه تلك المرأة الشجاعة ومارسته في أحياء مدينة المحرق كما مارسته في قرى بعيدة في مختلف مناطق البحرين، كما ذكرت في معرض حديثها، لم يكن كما تبين لنا موسوما بتحقيق وجاهات ومواقع تبتغي الصدارة المجتمعية الزائفة كما يفعل غالبية من يقحمون أنفسهم عنوة في صدارة المشهد والعمل التطوعي، بل كان قائما على مضامين من المحبة للأرض والإخلاص للناس ونكران الذات، بعيدا عن أي انحيازات مذهبية أو طائفية أو مناطقية، ذلك ما لمسناه بوضوح من خلال سردها للعديد من الحكايات المليئة بالمرارة والمكابدة والصبر الذي لا يحتمله أكثر الرجال.

فاطمة سلمان وهي إذ تقدم لنا خلاصة تجربتها مع العمل التطوعي وفي سبيل خدمة الناس، تذهب بنا بعيدا عبر تفصيلات حميمة مع قضايا الناس وهمومهم في معايشة صبورة منقطعة النظير امتدت لأكثر من ثلاثين عاما، ولقد تشرفنا بالفعل في المنبر التقدمي بالاحتفاء بهذه السيدة البحرينية النموذج والمثال، والتي تمثل عن حق وجه البحرين الحقيقي الذي يراد له أن يكون مسخا، ذلك الوجه الذي نفتقده بشدة في زمن تكالبت فيه علينا إرادات ملل وزعماء طوائف بغية انتزاع روحنا وتلويث هويتنا وضرب وحدتنا وتفكيك لحمتنا الوطنية. وبالمثل امتدت تجربتها الغنية رغم ما شابها من مرارات وتعب وكفاح لتصل بعيدا الى حيث يوجد ضحايا الكوارث الطبيعية والسياسية لتعطي لتجربتها بعدا إنسانيا يتجاوز حدود واقعها لتختبر مجددا قدرتها على العطاء في مختلف الظروف وقساوتها.

تجربة فاطمة سلمان تخبرنا بالكثير وتعدنا بما يمكن أن تقدمه امرأة تسلحت بصحوة الضمير ومحبة الناس والوطن لنتعلم منها دروسا وتجارب، وتتعلم من خلاصاتها نساء بلادنا وجمعياتنا النسائية وحركتنا السياسية، فما أحوجنا إليها نحن الذين لا زلنا نبحث عن ضالتنا في بيئة أضحت موبوءة بالمكائد والبحث عن السقطات والضرب بسبب أو بغير سبب من تحت الحزام دون توقف، واختلاق الأعذار للابتعاد عن العمل المشترك البناء والمثمر عبر والسعي نحو الفرقة التي لا تنتج سوى مزيد من العدم والتقهقر والانسحاب .. انها تجربة تستدعي منا جميعا أن نعمل العقل ونهتدي بصحوة الضمير ومحبة الأرض لنعيد للناس شيئا من أملهم المصادر ومحبتهم المفتقدة على مذبح الطوائف.
 
صحيفة الايام
17 نوفمبر 2010