المنشور

البرلمان الديمقراطيون والليبراليون

البرلمان من دون ديمقراطيين ولييبراليين يظل قاصرا، هكذا قال وهو متأثرا لخسارة التيار الديمقراطي في الانتخابات النيابية، نعم هكذا عبر عن حزنه لهذه الخسارة ونحن نلعب الكيرم اللعبة التي كانت قبل عقود من الالعاب الشعبية في البحرين، وكما يقال السبب لانتشارها في المقاهي والحارات والاندية، يعود الى الجالية الهندية التي عرفت هذه المنطقة منذ بدايات القرن الماضي، في حينها كانت البحرين بلاد النخيل واللؤل‍و اكثر دول المنطقة تعبيرا عن التسامح والانفتاح والتعدد والتنوير، ومنذ ذلك الوقت كانت المرأة البحرينية تشد من ازر الرجل وتسانده في اعمال الزراعة وصيد اللؤلؤ، في حينها لم تشهد البحرين فتاوى العتمة والتشدد والتوصيات الطائفية والاصوات الداعية الى الانغلاق والتحريم والتكفير.
صاحبنا المتألق في هذه اللعبة كلما لامست نظارته الطبية ارنبة انفه ثبتها بحركة سريعة الى مستوى بصره كي يسد بوضوح واتقان حطب الكيرم ليفوز على خصمه، وفجأة التفت الي يخاطبي بصوت مرتفع، لقد جربنا الجمعيات السياسية الدينية فتبين لنا ان هذه الجمعيات لاتمتلك القدرة السياسية والاقتصاية الكافية كالتي يمتلكها التيار الديمقراطي، في التعامل مع مختلف قضايا المجتمع البحريني وتبين لنا ايضا ان هذه الجمعيات بصناديقها الخيرية تتبع خطابها الطائفي، ومن دون امثلة، يكفي ما نشاهده اليوم من شحن طائفي لم يكن موجودا قبل سنوات والشىء الآخر الاكثر اهمية ان هذه الجمعيات التي تدعو الى حقوق المرأة اثبتت وبشكل سافر انها ضذ هذه الحقوق وهنا في وسعنا ان نقول ان عدم وصول المرأة الى قبة البرلمان احد اسبابه تلك الجمعيات.
اذا ما ارادنا ان نقرأ ماقاله صاحبنا، البرلمان من دون وطنيين ديمقراطيين يظل قاصرا، ينبغي ان نتوقف عند امرين مهمين الاول: ان هذا القول يعد نموذجا لردود فعل الشارع البحريني الذي بدأ يضيق ذرعا من الاسلام السياسي الذي باستثناء الوفاق التي تعاملت مع الناخبين في دوائرها المغلقة بوصاية دينية لم تنجح كما كان متوقعا في شارع الاسلام السياسي الاخر، بل شهد تراجعا كبيرا واخفاقا يرجع الى وعي الناخب الذي بالفعل بدأ يعيد حساباته من جديد، وباختصار ان الناخبين الذين انقادوا وراء اللحي والعمائم في التجربتين البرلمانيتين السابقتين، تجاوزا الشعارات الدينية التي دأبت على دغدغة العواطف، وان العمل والبناء قاعدته الاساسية القائمة على التحولات المتعلقة بنهج التنمية ومعالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية تتطلب اطلاق مبادرات وعقول وتشريعات وتحديث ولذا فان الاصلاح والتنمية تحتاج اليوم الى استراتجيات علمية خلاقة، هذا هو رهان التغيير والتقدم والتطور اما الدعاة بشعاراتها المستهلكة، التي لاتعترف بالآخر ولا بالحريات وتمكين المرأة من المشاركة السياسية، من الطبيعي ان يتراجع هؤلاء طالما ان الرهان اساسه التغيير والتقدم. والامر الثاني: ان التيار الديمقراطي بحاجة الى وقفة نقدية ومراجعة لكشف مواطن الضعف والاستفادة من الاخطاء، وبالتالي لوتوقفنا عند هذا لنجد انه بالرغم من خسارته في الانتخابات البرلمانية الا انه استطاع وبشرف ومصداقية ونزاهة، ان يعيد عافيته من خلال برامجه السياسية وعلى اثر ماتبناه من مطالب اقتصادية واجتماعية وعمالية وشبابية وبيئية وثقافية وحقوق المرأة، كسب الجماهير وحصد اصواتا لايستهان بها وقد عبرت وبعقلانية الاخت عصمت الموسوي في مقالها الاخير، عن ذلك قائلة ان على التيار الليبرالي الا يستهين بادواره ومسؤولياته، سواء داخل البرلمان او خارجه، فالاصوات التي حصدها ليست قليلة وهي تشير الى قوة موقعه على عكس مايشاع عنه، فالشارع يحبه وقد منحه الاصوات الخالصة الصحيحة الواعية غير المشفوعة بثواب الدنيا او اجر الاخرة، ثم انه احدث حراكا سياسيا كبيرا في الدوائر التي ترشح فيها طوال فترة الانتخابات، واجرى نقلة نوعية في مسار العملية السياسية والديمقراطية وعمق وعي الناخبين سياسيا وقانونيا واجتماعيا واقتصاديا، وواصل رسائله ودافع عن مواقعه وذكر بنضالاته وتاريخه، واستفز خصومه وكسب الكثير من الشباب وصغار السن الى صفوفه واجبر الخصوم والمناوئين على مقارعته والنزول الى الجماهيروالخضوع لمنطق الانتخابات، حيث التنافس في الميدان بشرف ونزاهة، بالفعل كانت الموسوي صائبة فيما اشارت اليه من تحليل وتوصيف ومع ذلك فالاجدى ان ينظر هذا التيار الى لملمة بيته دون تبعية لقوى الاسلام السياسي التي ستظل في نهاية المطاف قوى تعمل وفق مرجعياته المنعلة المناوئة للحداثة والتحديث والديمقراطية، والكل يعلم ماذا فعلت الوفاق الحليف القريب في الانتخابات النيابية عندما استهدفت حملاتها الانتخابية التيار الديمقراطي في اكثر من دائرة، اذن فالمطلوب اعادة النظر في هذا التحالف، واخيرا ان البرلمان في رأي صاحبنا بو احمد وغيره من الذين يشاطرونه هذا الرأي مالم تمثل فيه المرأة والديمقراطيون والليبراليون يظل قاصرا، او بالاحرى غير متوازن.
 
صحيفة الايام
13 نوفمبر 2010