المنشور

حول انتخابات البحرين


ليسَ في أرشيفِ ما نتذكّرُ من انتخاباتٍ عربيّة، أو غيرِ عربيّة ربما، أنَّ مرشحي حزبٍ أو تجمّعٍ سياسيٍّ مُعارضٍ فيها فازوا جميعُهم. هذا ما حدَثَ في انتخاباتِ مجلس النواب البحريني (40 مقعداً) التي اكتملت الأُسبوعَ الماضي، فقد نال المرشحون الـ18 لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية مقاعدَهم كاملة، وهي الجمعيةُ المعارِضةُ الموصوفةُ بأنها الممثلُ الأبرز للشيعةِ البحرينيين، وإحدى 15 جمعيةً سياسيةً في البلاد، قاطعت ثلاثٌ منها الانتخابات. وربّما يؤشر هذا الفوزُ الاستثنائيُّ إلى قدرةِ “الوفاق” على حيازةِ أغلبيةٍ نيابيةٍ إنْ أرادت، ما قد يبعثُ رسالةً مهمّةً إلى صانعِ القرارِ الأول. وكان من نتائجِ الانتخاباتِ أيضاً (فاز خمسةٌ بالتزكية) تراجُعُ الجمعيّتين السنيّتين البارزتين، “المنبر الإسلامي” الإخوانيّة و”الأصالة” السلفيّة، ونالت الأولى ثلاثةَ مقاعدَ بخسارةِ اثنيْن، ونالت الثانيةُ ثلاثةً بخسارةِ أربعة. وأُعيدَ ذلك إلى الخصومةِ بينهما إلى حدِّ العداءِ أحياناً، وتواضعِ أداءِ نوابِهما في البرلمان السابق بشأنِ ملفاتٍ وقضايا سياسيّةٍ وخدماتيّة، وما تردّدَ عن رفعِ الدولةِ غِطاءَها عنهما، بعد أن كانت هيمنتُهما واضحةً على الدوائر ذاتِ الأغلبيّة السنيّة.

عُرفت البحرين بوجودِ تياراتٍ وتوجهاتٍ ليبراليةٍ ويساريةٍ وقوميةٍ نشطت طويلاً فيها، مثّلتها معارضةٌ وطنيّةٌ كانت أسماءُ ورموزٌ عديدةٌ فيها منفيّةً اختيارياً خارجَ بلادِها، بسببِ قوانين متشددةٍ واعتقالاتٍ مشهورة. انتهى هذا الحال مع “المشروع الإصلاحي” الذي يقودُه الملك حمد بن عيسى آل خليفة، وبدأَ بالعفو العام وإلغاءِ قانون ومحكمة أمنِ الدولة وصياغةِ الميثاق الوطني. وفي تلك الحقبة، كان دورُ ذوي الخياراتِ اليساريّةِ والليبراليّةِ والحقوقيّةِ حيوياً في النضالِ من أجلِ الإصلاحِ الديمقراطي والوطني، وقد مُنيَ أصحابُ هذه التوجهات في الانتخابات الجديدة بخساراتٍ فادحةٍ أمام “الوفاق” والإسلاميين الآخرين، وأمام المستقلين (16مقعداً) من رجالِ أعمالٍ وتكنوقراط وذوي نزوعٍ ليبرالي، ومنهم قريبون إلى الحكومة. وعلى غيرِ الذي استجدّ في الكويت، لم تتمكن أيٌّ من المرشحاتِ الثماني من الوصولِ إلى الندوةِ البرلمانية، باستثناءِ زميلةٍ لهم مستقلةٍ فازت بالتزكية، ما دلَّ على عدمِ جاهزيّةِ المجتمعِ البحرينيِّ لتمكينٍ حقيقيٍّ فيهِ للمرأة، وهو الذي تَتبدّى فيه مظاهرُ انفتاحيّةٌ لافتة.

المؤسفُ في المشهد السياسيِّ، والانتخابيِّ بالضرورة، في البحرين (مليون و39 ألف نسمة، الأجانب أكثر من 51 %) أنّ الطائفيّة عنوانٌ رئيسيٌّ فيه، وفي محله القولُ إنَّ فوز “الوفاق” في كاملِ الدوائرِ ذاتِ الكثافة الشيعيّةِ يطمسُ التنوعَ السياسيَّ والاجتماعيَّ فيها، لمصلحة لونٍ واحدٍ مذهبياً وسياسياً. ولا دقّةَ في وصفِ هذه الجمعيّةِ بأنها المعارَضةُ البحرينية، لأنّها تمثلُ جزءاً من هذه المعارضة، وإن كانت الجمعيةَ الأكبر بينها، لكنها تبقى محكومةً بتوجيهاتِ المرجعيّة الشيعيّة التي ناهضت مرشحينَ شيعةً ليبراليين ينتسبونَ إلى جمعياتٍ ديمقراطيّةٍ ووطنيّة، على ما أوضحَ صديقُنا حسن مدن الذي يتزّعم جمعية المنبر التقدمي الديمقراطي، ولم يحالفْهُ النجاحُ في الاقتراع. ويدعونا إلى التوقفِ كثيراً أمامَه، قولُ المثقفِ الرائق والوزير السابق، الدكتور علي فخرو، إنَّ سيطرة الهاجسِ المذهبيِّ لدى المواطن البحرينيِّ هو ما لا يمكِّنُ الشخصياتِ القوميةَ والليبراليةَ واليساريةَ من الوصولِ إلى البرلمان، كما تحذيرُهُ من “استقطابٍ طائفيٍّ غيرِ مطمئنٍ ستكونُ له تداعياتُه الخطيرة”، وكذلك تأشيرُهُ إلى أنَّ البحرين تعيشُ في اللحظةِ الراهنةِ انقساماً طائفياً حادّاً.

تُؤشِّرُ المواسمُ الانتخابيةُ العربيةُ، على ما لها وما عليها، إذنْ، إلى خرابٍ غيرِ هيّنٍ في أنماطِ التفكيرِ السائدةِ والنزوعاتِ التي صارت متوطنّةً في بيئاتٍ وحواضنَ اجتماعيةٍ راهنة، تدعونا الواقعةُ الانتخابيةُ البحرينيةُ الجديدةُ إلى استكشافِها في بلادها، كما جهدٌ مماثلٌ سيكونُ مطلوباً في الأردن بعد انتخاباتِنا يوم الثلاثاء، بشأنِ تفاصيلَ مُغايِرةٍ، إنْ كانت تخلو من الطائفيةِ فثمّةَ غيرُها.


جريدة الغد الأردنية
6 نوفمبر 2010