المنشور

البرلمان الجديد ومؤشرات الفساد!!

كيف نقرأ النتائج الأخيرة التي أظهرها التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية حول مؤشر مدركات الفساد للعام 2010 فيما يتعلق بأوضاع مكافحة الفساد في العالم، وما يعنيننا هنا بالطبع هو وضع البحرين فيه حيث جاءت في المرتبة 48 عالميا لهذا العام.
في البدء يجب أن لا يغيب عن البال والمتابعة أن مغزى العام 2003 ومقاربته بمؤشر مدركات الفساد بالنسبة لأوضاع مكافحة الفساد في البحرين إنما يرتبط أصلا بالبداية الحقيقية للمؤسسة التشريعية والرقابية ممثلة في مجلس النواب وتدشينها لدورها الرقابي، والذي كان لدور لجان التحقيق البرلمانية الأربع التي شكلت في الفصل التشريعي الأول وفي مقدمتها لجنة التحقيق في فساد هيئتي التأمينات وصندوق التقاعد الحكومي ولجنة التحقيق في تدهور أوضاع خليج توبلي وما أظهرته اللجنتان من تقارير موثقة وواضحة حول ما اشتملت عليه التقارير من أرقام وحقائق دامغة، وما وضعته لجنة التحقيق حينها من معالجات تم الأخذ بالكثير منها، وما تلا ذلك من تشكيل للجان التحقيق في الفصل التشريعي الثاني ومن متابعات نيابية لأداء الحكومة من خلال طرح الملفات والأسئلة المختلفة على مدى الفصلين التشريعيين المنتهيين حتى الآن، وبكل تأكيد فان تدشين الدور الرقابي على أداء السلطة التنفيذية ومنذ عودة الحياة النيابية في العام 2002 وهو الدور الذي غاب لقرابة الثلاثة عقود يعتبر العلامة الفارقة عند مقارنة ما يجري من كشف مستمر لممارسات الفساد المختلفة وما يستتبعها من معالجات لازلنا نعتقد بقصورها على الرغم من تحركها ، إلا أن ذلك بحد ذاته يعطي جوابا شافيا ومقارنة جديرة بالمتابعة بين ما يجري لدينا وما يجري في بعض الدول ، التي بحسب المؤشر تتقدم في مؤشر مدركات الفساد الذي نحن بصدده، حيث تغيب هناك الكثير من وجوه الرقابة على أداء السلطات التنفيذية، وذلك بالطبع نظرا لغياب الممارسة الديمقراطية مما يجعل من أوضاع مكافحة الفساد لديهم مسؤولية رسمية ليست ذات بعد شعبي أو حتى مؤسسي.
إذا هي مفاضلة يجب أن لا تستهلكنا كثيراً، بقدر ما يمكن أن نستنتج منها من أهمية لوجود المؤسسات الرقابية والتشريعية وضرورة ممارستها لدورها وإن كان منتقصا في بعض وجوهه، لكنها تبقى مطلوبة وملحة، وذلك بإعطاء البعد الرقابي الشعبي دوره في متابعة أداء السلطة التنفيذية، والتأسيس لنهج جديد ومغاير في تعاطي الحكومات والشعوب مع مسائل جوهرية ترمي لتحقيق ضمانات لدى الطرفين في الرقابة على المال العام والثروات العامة.
نستطيع أن نؤكد أن تعاطينا مع قضايا الفساد يجب أن لا يكون مقتصرا فقط على كشف بعض وجوه الفساد، بل يجب أن يكون مرتبطا بوضع برامج ومعالجات حقيقية ملموسة، من شأنها أن ترتقي بسجلنا في مكافحة الفساد وتحقيق نجاحات ملموسة في هذا الجانب، ولذلك كما نعلم انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على الكثير من وجوه التنمية والأوضاع المعيشية وحركة الاستثمارات إلى الداخل، وهو توجه لا شك أن رؤية البحرين 2030 قد وضعته ضمن أولوياتها، ليصبح العمل على تحقيق نجاحات في مؤشر مدركات الفساد ضرورة وليس ترفا لدولة ذات اقتصاد صغير وإمكانيات وموارد محدودة، ويبقى ذلك مرهونا بقدرتنا على تجاوز أنفسنا عبر الجرأة والجدية والإخلاص في التعاطي مع قضايا المال العام والثروات باعتبارها مسؤولية وأمانة على الجميع تحملها، وفي المقدمة منها السلطتان التنفيذية ممثلة في الحكومة والتشريعية ممثلة بمجلس النواب بتركيبته الجديدة وتمايز كتله الواضح، وذلك ما يضع الجميع على المحك ليكونوا بحق أوفياء لما رفعوا من شعارات وبرامج، وأمامنا في القريب العاجل ملفان على درجة كبيرة من الأهمية سوف يطرحان ابتداء من اليوم الأول على طاولة نواب الشعب وهما ملف الموازنة العامة للدولة للعامين 2011 -2012 وكذلك ملف آخر طالته المساومات على ما يبدو في الفصل التشريعي المنقضي، ألا وهو ملف تقرير ديوان الرقابة المالية الذي سيرفع لجلالة الملك والحكومة ومجلس النواب قريبا جدا. أما من جانب الحكومة فنأمل أن يحتوي برنامج عمل الحكومة الذي سيقدم للمجلس الوطني قريبا على معالجات وبرامج فاعلة لمكافحة الفساد، لتتم الاستفادة مما حدث على مدى السنوات الثماني المنتهية لصياغة عقد من المسؤولية تجاه حماية المال العام وحماية ثروات الأجيال، فهل لنا أن نطمح في بداية قوية لمؤسستنا التشريعية، مع بداية فصل تشريعي جديد يأمل الجميع أن يكون بحجم الزخم الذي كانت عليه الانتخابات الأخيرة وما يعنيه الإقبال الشعبي الكبير على التصويت الذي فاقت نسبتة 67%..دعونا نتفاءل لعل ذلك يكون مجديا هذه المرة!
 
صحيفة الايام
3 نوفمبر 2010