المنشور

زيارة نجاد للبنان

تعكس زيارة نجاد للبنان انقلاباً كبيراً في المنطقة، والانقلاب يبدأ من لبنان حيث انهار حضور الأغلبية الحاكمة، وتحولت الأقلية إلى الأغلبية الحاكمة، وبدا أن لبنان جزء من المحور الإيراني -السوري.
فحزبُ الله يملكُ القوةَ العسكرية والسلاح الأقوى من الدولة، وكانت تهديداته طوال الأسابيع الماضية لقوى الدولة بأن تنسى المحكمة الدولية وأحكامها، قفزة على المؤسسات والقانون.
نسيان وإلغاء قرارات المحكمة بشكلٍ استباقي يحولانه إلى الدولة التي في يدها قرارات الحياة والموت، وقرارات السلم والحرب الأهلية.
وفي هذا الجو المفعمِ بروائحِ التحدي والجبروت بدت قوى الأغلبية ضعيفة الحضور ليستْ لديها سياسة قوية واضحة، فقد حاولتْ عقدَ صفقة سياسية مع الحكم في دمشق لكن هذه الصفقة لم تنجح، وجاءتْ مسألةُ استدعاءِ أركان الحكومة اللبنانية للقضاء السوري، تقويضاً واضحاً لأي علاقةٍ ندية بين حكومتين وتوحي بتبعية لبنان مرةً أخرى لدمشق.
ثم توّجَ هذا التقزيم للحكومة اللبنانية وقوى الأغلبية بزيارة نجاد للبنان، التي تقولُ إن إيران غدتْ هي الدولة الكبرى التي بيدها مصير المنطقة، وهي تزورُ حلفاءَها وتعد لخطط المجابهة، وتغدو دولة محاذية لحدود إسرائيل الشمالية.
زيارة تقول إن حلفاء إيران هم الأقوى، والمعنى هذا تشكل بطريقة نجاد الاستعراضية.
أي أن هذه القوى والدول التي مشتْ من طهران مروراً بعراق المالكي بدمشق البعثية بحزب الله في لبنان، هي المحركة للصراع السياسي ضد الغرب وضد إسرائيل.
وهذا ليس بعيداً عما يجري في أفغانستان من انهيار تدريجي للحكم السائد وصعود طالبان الذي هو أشبه بكابوس آخر.
وتعني لغة التحدي الإيرانية الجائلة في لبنان الآن تجاوز مسألة جريمة تصفية الحريري، وطي صفحتها كليا والتوجه نحو الصراع مع إسرائيل.
إيران من جهتِها تنقلُ معركتَها الداخلية ورفضها نمو الديمقراطية الوطنية كما فعلتْ الأنظمةُ العسكريةُ في المنطقة بتحويل المعارك للخارج، عبر استعراضاتٍ سياسية وحربية، وتكاليف هائلة تُستقطعُ من الجبهة الشعبية النازفة.
ولكن من الجهة الفعلية فإمكانياتها على الحرب الفعلية مشكوك فيها، وحزب الله ذاته يعيشُ حالةَ انكفاءٍ داخلي بعد حرب 2006 حيث لم يستطعْ إطلاق رصاصة واحدة على إسرائيل رغم الأحداث الجسيمة في فلسطين.
وبالتأكيد جاءتْ زيارة نجاد لتؤكد دعم إيران القوي لحزب الله خاصة، وفي خضم محاولات لتجاوز قرارات المحكمة الدولية، التي سوف تسكبُ زيتاً حارقاً على لبنان والمنطقة، وتحيلُ حزبَ الله من قوةٍ ثورية إلى قوةِ اغتيال لرمز كبير من الطائفة السنية، وليس ثمة أفضل من هذه الأوضاع لإسرائيل التي تحتل أراضي عربية وتمنع الشعب الفلسطيني من أبسط حقوقه.
وتعكس الجريمة خلل فهم المحور الإيراني – السوري لاتجاه التاريخ، سواءً في عدمِ تقبلِ اتجاه الأحداث والحياة نحو الديمقراطية وحكم القانون، أو في تحدي قوى كبرى هي عاجزةٌ عن منازلتها الفعلية.
بدلا من أن تقومَ بتطبيعِ نظاميها أو أنظمتها للحياة الحديثة وللديمقراطية والاهتمام بحياةِ الملايين الفقيرة المعوزة في بلدانها.
الدول العربية تقعُ بين قوتين كبيرتين هما إيران وإسرائيل تتسمان بالبقاء في عالم الاحتلال وتحدي المجتمع الدولي من دون أن تمتلك هذه الدول العربية أدوات الحل بل تتعرض للتفتت بشكل مستمر، بدلاً من تطوير أدوات الوحدة والديمقراطية، ومن هنا تقوم الدول العسكرية الشمولية بالتحدي والاستعراض أو بالمغامرات المحفوفة بشتى أنواع المخاطر التي تقع آثارها الوخيمة على الشعوب العربية وغير العربية.
فتبقى الدول الغربية والشرقية الكبرى بأيديها الحلول متى ما اتفقت على شيءٍ مشترك.

صحيفة اخبار الخليج
17 اكتوبر 2010