المنشور

دعوة للخروج من عباءة الوصاية!


بعد انقضاء فصلين تشريعيين كاملين، وبعد استعادتنا للحياة النيابية  بفضل إصرار شعبنا على امتلاك إرادته في البناء، وما وفره المشروع الإصلاحي أمام الوطن من فرص نعتقد أنها  يجب أن تهيىء بدورها لمناخات مختلفة إيجاباً باتجاه الوصول لدولة  المؤسسات والقانون.  نقول بعد فصلين تشريعيين لا زالت الكثير من الأسئلة تطرح وبشكل متوارد من قبل الناس  وبعض النخب والمعنيين وإن بدرجات متفاوتة، وهي أسئلة مشغولة ومنشغلة في ذات الوقت بـِهَم لا زال جاثما  على صدور الجميع، نراه يفصح عن نفسه أحيانا كثيرة إما على شكل مخاوف على التجربة ذاتها أو حول  طبيعة وقدرات عناصرها ومؤسساتها ومكوناتها، أو حتى حول جدوى الاستمرار فيها دون تطوير، وهي التي لم تعد مقنعة بشكل مقبول في نتاجاتها لقطاعات واسعة أضحت تنتظر منها الكثير، وهي أسئلة تظل تبحث لنفسها عن إجابات كثيرا ما تعذر الاقتراب منها أو حتى ملامستها، في ظل ما يشهده الواقع الحالي من مراوحة ونكوص وتراجع بات يبعث على السأم وحتى فقدان الأمل أحيانا في استعادة  شيء من زخم البدايات على الأقل، خاصة بالنسبة لأولئك الذين اندفعوا بصدق مع البدايات الأولى للمشروع الإصلاحي بغية الإسهام في إحداث تلك النقلة النوعية التي  كانت منتظرة لمجتمع كان مهيأ بشكل كبير للنهوض سريعا من مخاض امتد لعقود ثلاثة، تعطلت بسببها الكثير من  الخطى ووئدت لأجلها الكثير من أحلامنا التي سرعان ما  تراقصت على وقع تلك الخطوات المتسارعة التي أحدثت فينا زلزالا كنا لا نود أن تخمد فورته أبدا.

 وعلى الرغم مما يمكن أن يفهم  بشكل عابر انه يأس وقنوط في التجربة ومستقبلها، إلا أنني استطيع أن أجزم أن المشهد ليس بذلك السوء، فلا زال الحراك الاجتماعي والسياسي والمبادرات الاقتصادية تستمر في إعطاءنا دفقا معنويا مطلوبا، لذلك نظل متوثبين لإحداث تلك النقلة  المنتظرة كلما أتيحت أمامنا فرصة أو حتى نصفها، متناسين ما يُعْمد لأشاعته  باستمرار من أدمِنو العيش في العدم، وعلينا أن نمتلك الإصرار  للانطلاق مجددا، وأن نستعيد ولو جزءا من إرادتنا  ووعينا للمضي في إنضاج وبلورة واقع جديد يتجاوز كل تلك المحبطات والعراقيل على كثرتها.  ولكن يبقى السؤال كيف لنا  أن  ننتشي أملا ونستعيد صحوتنا  المكبوتة في دواخلنا وقد تعايش الجميع تقريبا  مع هكذا أوضاع  نراها لا تتقدم كثيرا إلى الأمام ويلفها  كثير من الشك وانعدام الثقة ؟!

إنها أسئلة لا تنتظر إجابات جاهزة كتلك التي اعتدنا على استدعائها على الدوام، بل تنتظر من يستطيع أن يحقق قراءة وفعل ويصيغ  رؤية وعزيمة وموضوعية وعمقا وجدوى، لواقع كان لفترة قريبة فقط  يتحدث عن دولة المؤسسات والقانون والشفافية والرقابة  وقضايا المرأة  وحقوق الإنسان وتطوير التشريعات لدولة عصرية أكثر استقرارا ونماء ، ليجد نفسه هكذا عنوة يتحدث عن واقع ينحو باتجاه مصالح القبيلة والطائفة والمذهب وتقسيم الناس بين مؤمنين وملحدين وكفرة! ليربك مطالب الناس ويعيق آمالهم، وسط ضجيج يصم الآذان وشعارات تائهة أو منفلتة، لكنها لا تنتج شيئا في المحصلة!!  ليعزف  بعدها من هم في صدارة المشهد أحيانا كثيرة على أوتار بالية تستند إلى  قوالب جاهزة وفتاوى وأجندات وكتابات كثيرا ما تـُجَير في مواسم تفضح تهافت الرؤى وتفاهة الموقف لنراها توغل في تلويث أجوائنا وواقعنا الاجتماعي والسياسي أكثر مما هي ملوثة، لتحيل  موسم انتخابي ينتظره الناس على مضض بعد أن أرهقتهم مناكفات الطوائف ومذهبية الكتل التي استمرأت الإيغال في صراعاتها حتى آخر الشوط الذي لا يراد له أن ينتهي، تحيله إلى موسم  يعج بالضجر والتسقيط والتخوين والهيمنة على عقول الناس ومصادرة إراداتهم واستنطاق  وتجيير النصوص وتوعد البسطاء في دنياهم وآخرتهم، لتستعيد فيه تلك القوى سطوتها المعهودة تجاه الآخر المختلف وهي لا تدّخر في سبيل ذلك أي من أسلحتها ووسائلها المجربة، وتمارس قسوتها واستعلائيتها وفوقيتها  وغرورها وعبر خطاب لا يمتلك  شيئا من القوامة، يظل يتوعدنا  جميعا بالويل والثبور، وعلاوة على  ما فيه من تشنج، فانه يحاول أن يخيف ويرهب كل من حوله ليستدعي حاجتهم للتمترس مجددا في جلباب الطائفة والقبيلة والعزوة والجماعة وهكذا دواليك يستمر مسلسل ضياعنا وتوهاننا  الذي لا يراد له أن ينتهي على ما يبدو!

إنها دعوة لكل البسطاء ومن يحبون هذا الوطن ويعنيهم مستقبله، ونحن نلج معمعة الانتخابات التشريعية والبلدية أن يمتلكوا الجرأة والإرادة والقدرة والقرار والعزم على  نفض سنوات من التبعية والذيلية  لدعوات الوصاية على عقول وإرادة الناس، وهي دعوات خائبة لم تفلح في انتشالنا من واقعنا المريض المثقل بهموم نعرف جيدا من أرساها ومن بثها سموما في جسد هذا الوطن المتعب، لكي يبقى الرهان قائما على وحدتنا  وصحوتنا وامتلاكنا لقرارنا الوطني الذي تتنازعه قوى وتيارات أوجدتها سياسات بعينها وهيأت لاستمرارها مصالح وزعامات وأجندات لا يعنيها من أمر الوطن ومستقبل أبناءه إلا بقدر ما تستنزفه من طاقاتهم  وجهودهم وعرقهم حتى وإن كان على حساب  تكريس شقائهم وبؤسهم إلى ما لا نهاية!