المنشور

«أمراء الطوائف» ومفاتيح الجنة


مسار العملية الانتخابية التي يستعر أوارها في البحرين يكشف عن بروز خصائص تميز انتخابات 2010 عن سابقتيها.
 
من حيث النتائج المتوقعة، يشير الواقع إلى أن أعداد المرشحين المستقلين تفوق الحزبيين بعدة أضعاف. ورغم أن هذا مظهر من مظاهر المراحل المتدنية من الديمقراطية، حيث المنافسة بين الأحزاب السياسية ببرامجها الانتخابية الشاملة تُعدّ الأساس في الديمقراطيات المتقدمة، إلا أنها تجيء في الانتخابات البحرينية لتعبر أيضا عن اقتناع كثير من المستقلين بقدرتهم على منافسة القوى الطائفية واحتلال المساحة التي انحسرت عنها هذه القوى في المجتمع، وستنحسر عنها في البرلمان القادم.
 
ولا تخلو ظاهرة المستقلين بدورها من مظاهر سلبية، حيث إن المال السياسي يحرك عددا من المرشحين المستقلين الذين لم تعرفهم الحياة السياسية قبلا من بعيد أو قريب، ولا يملكون مؤهلات سياسية مقنعة لاحتلال مقاعد في البرلمان القادم، أو أن الحكومة تريد أن «تقضم»، كما يقال، من الحصص الحالية للكتل البرلمانية الطائفية. لكن ذلك لا يغير كثيرا من جوهر الظاهرة.
 
القوى الديمقراطية، بمقارباتها وتكتيكاتها المختلفة عن بعضها، أيضا قرأت وفهمت إجمالا واقع الحال بشكل جيد وتقدمت بهويتها وبرامجها بوضوح في هذه الانتخابات.
 
تفاعلات العملية الانتخابية تبين أن قطاعات واسعة من الجماهير ملّت وصاية قوى جانبي الطائفية وتريد الخروج من تحت عباءتها. وتتحدث عن هذا صراحة في خيم المرشحين المستقلين والديمقراطيين. وفي الصحافة والمجالس يتحدثون كثيرا عن أن اتجاهات نتائج الانتخابات سائرة نحو انحسار نفوذ كل قوى الطائفية التي قسمت المجلس النيابي والشعب على نفسيهما ليصبحا على شاكلة تلك التنظيمات. وأن الأمور ماضية نحو احتلال المستقلين والديمقراطيين مساحة أكبر في البرلمان القادم.
 
وإذا كانت هذه الحقائق مبعث أسى للقوى الطائفية، فإنها أيضا تشكل مبعث سلوكها الانتخابي الخطر على العملية الانتخابية وعلى جماهير الشعب مجددا.
 
لقد بدأ «أمراء الطوائف» يلوحون بمفاتيح الجنة لمن سينتخب مرشحيهم، ومفاتيح جهنم لمن سيحكم عقله وضميره وينتخب مرشحه بحرّ إرادته.
 
ودعواتهم هذه قد تدفع بالمواطن العادي إلى حد الهلوسة.
 
أمامي مطوية وجدتها ملقاة عند باب منزلي تحمل عنوان رسائل توعوية 2 (يعني فاتتني واحدة، وهناك غيرها قادم). تتضمن المطوية 16 وصية، تقول بأن الله سائلي عن اختياري لمرشحي وعليّ أن أضع مخافة الله بين عيني، وأن أستشير الأمناء والتقاة وأهل الفضل لكي يدلوني، وأن ما سأقوم به يدخل في مفهوم العبادة، وأن أستخير وأصلي ركعتين قبل الاختيار.
 
تخيلت نفسي لو أنني أقل وعيا مما أنا، لهممت بمطالبة مرشحي التيار الديمقراطي بأن ينسحبوا ويتركوا المجال لمرشحي طائفة «رسائل توعوية». ثم تناولت صحيفة السبت وقرأت خبر «التحرش» بيافطات المرشح النيابي فاضل الحليبي وتعليق دعوات بالقرب منها تدعو إلى انتخاب «المؤمنين» من الطائفة الأخرى دون غيرهم.
 
«شعرت» أن علي ان أحذر أقاربي ومن أحب في دائرة فاضل من انتخابه، بل وأن أطلب من فاضل أن يلملم كل شجاعته وتاريخه النضالي الغني وبرنامجه الوطني البديل، الموحد للشعب، التقدمي في مضامينه، هذا لا يهم. المهم أن يخلي السبيل أمام المرشحين «الإيمانيين».
عدت إلى نفسي لأجدني في دائرة محيرة هي الأخرى. أنا إن انتخبت المرشحة الديمقراطية منيرة فخرو أكون قد خالفت تعاليم «رسائل توعوية» وفوت فرص الجنة. وإن انتخبت مرشح «الرسائل» أكون قد خالفت تعاليم «القائمة الإيمانية» التي لا مرشح لها في الدائرة. فهل ضاعت مفاتيح الجنة؟

شعرت بأمل الخروج من حالة الهلوسة عندما عدت لما قاله النائب المحترم خليل المرزوق في مناظرته أمام المرشح فاضل الحليبي. فقد رفض خليل أي فتوى لصالحه وأي حث لاختيار ممثلي قائمة إيمانية أو غيرها، بل دعا للاختيار على أساس الكفاءة. الحمد لله لم تضع مفاتيح الجنة. بقي فقط أن يعلن النائب الذي أكن له احتراما شجبه الاعتداء على إعلانات فاضل الانتخابية، وإلا ضاعت مفاتيح الجنة من جديد!
 
معذرة على السرد التهكمي أعلاه. لكن ذلك يعكس حال كثير من الناس. بل وقد يشد إليه أناسا يتمتعون بالجاه والمسئولية والنفوذ. وينذر بأخطار تمتد إلى أبعد من الانتخابات. ويحدث هذا ليس عندما يغيب إصلاح الخطاب الديني فقط، بل وعندما تحتقن العملية الديمقراطية. وأكثر من ذلك عندما تغيب الحلول الديمقراطية الحقة.
 
الوسط 11 أكتوبر 2010