المنشور

وضع المنطقة العام

إنهما محوران خطران هذان غير القادرين على التوحدِ وتشكيل أنظمة رأسمالية ديمقراطية متقاربة.
المحور العربي “المعتدل”، والمحور الإيراني ــ السوري، والخلفية الإسرائيلية المتلاعبة بين الخندقين، رأسماليات متخلفة ورأسمالية متطورة مفارقة.
الهيمنةُ العسكرية الكبيرة الشمولية في أغلب هذه الدول، وخاصة في الأنظمةِ الثلاثة المقاربة للحرب، تنشئ هواتٍ بين الشعوب والأنظمة.
عملياتُ رسملة الأرياف وتحديثها التقني وجذب النساء للعمل الصناعي، وتحرير الثقافة من هيمنة النصوص الدينية المحافظة اليهودية والمسيحية والإسلامية، قضايا لم تقمْ قوى المحورين العربيين الإسلاميين بتغييرها، فتقومُ على حشدِ الجمهورِ في مدنٍ متخلفة مأزومة، ذات أوضاع اقتصادية صعبة، وتستجلبُ قوى عاملة جاهزة رخيصة يدوية أو ماهرة مكلفة، في تعبير عن عجزها الاقتصادي عن تطويع بُناها بالثورة المعلوماتية والتقنية فيصبحُ الاقتصاد نزيفاً عبر تسرب رؤوس الأموال والقوى العاملة وتغلغل ثقافة الأشكال والضحالة.
مستوى التباين بين القوى العربية الإسلامية وإسرائيل القادمة الجاهزة شبه الكلية من الغرب يجعلها متحكمة عسكريا، ويجعل الغربَ متحكما اقتصاديا وسياسيا وعلميا.
البيروقراطياتُ والجيوش في كلٍ من هذه الدول تستنزفُ الموارد، لا تقوم الفوائضُ بتحويل الملايين من الكادحين اليدويين إلى عاملين تحديثيين تقنيين، ثم تقومُ بالمواجهات المتعددة الأشكال: مواجهة عربية – إسرائيلية، مواجهة غربية – إسلامية، مواجهة عربية – إيرانية، مواجهات مذهبية دينية متعددة الأشكال: نتاجها التفكيك والتشرذم والصراع غير الخلاق بينها.
أبنيةٌ في حالةٍ متخلفةٍ لكنها تتوجهُ للصراعات وتكدس الأسلحة بالمليارات في حين تبحث الجماهير عن الغذاء والسكن والتعليم والصحة.
الصهيونية تُؤزمُ الأوضاعَ، وترفض أولويات السلام، وتنشئ توترات كبيرة بهدفِ أن تكون الكثير من الخيوط السياسية في يدها والمحوران في قبضتها، والقوى الغربية تحافظ على الخيوط الكبيرة لفسيفساء التخلف والتبعية والصراع.
العسكرية الإيرانية المقاربة لهذا تريدُ هي الأخرى أن تضعَ الخيوط السياسية كافة في يدها.
مشروعان غير قابلين للاندماج الحضاري، من دون التخلي عن أساسيات التعصب والتقوقع الديني – القومي غير القابل للحياة في هذا العصر.
إنها مشروعاتُ هيمنةٍ تنزلقُ إلى الطوائف، تحرضُ تكويناتها السياسية على الشد الحاد لخيوطِ الصراع المتوتر؛ العراق بلا حكومةٍ طوال مدة جاوزت الأرقام الدولية تعبيراً عن تحول قوى العراق السياسية المذهبية إلى حصان طروادة لمن يدفع، والتكويناتُ المذهبيةُ أكدتْ ارتباطاتها باليمين المتخلف، يمين ما قبل الحداثة والوطنية والعلمانية، يمين الارتزاق المالي على حساب ملايين الفقراء والفلاحين واستمراراً لسرقتهم باسم المذاهب.
إنه يمين المؤسسات الدينية المتخلفة التي تصر على التحكم السياسي والارتباط بالمحاور العسكرية الخطرة، ويبدو ذلك أيضاً في عدوانية المستوطنين الإسرائيليين والحاخامات المتعصبين ويهودية الدولة في عصر الديمقراطية والعولمة والأممية، كما أن ثمة تأجيج الحرب والصراع باسم النضال والمقاومة، وعدم ترك الدول تغدو هي المؤسسات الشرعية الوحيدة، والإصرار على تمزيق الشعوب طائفيا، أي شل إراداتها السياسية النضالية التوحيدية.
العسكريات المغامرة، والبيروقراطيات النازفة للموارد المتعالية على هموم الجمهور المعوز، وجماعات الارهاب المؤجرة لخلط الأوراق ونحر المواطنين، كلها تتلفعُ بالظلام السياسي المذهبي الديني، أهم أشكالُ الغموضِ السياسي، والتلاعب بمشاعر وعقول الملايين، لتواجه العقلانيات السياسية والفكرية، وتحاصرها، وتقوضها، وفي الأسفل الرأسماليات الفوضوية والطفيلية تبني حداثات شكلية موهومة استنزافية للذهب الأسود.
قامت الرأسمالية في الغرب على تذويب الحدود القومية في كل اقتصاد واسع، وهنا تقوم على تفكيك البلدان وتقزيم الأسواق، وتفتيت القوى العاملة وإدامة عملها اليدوي الساحق المنتشر.
في الغرب بدأتْ عبر العلمانية وهذه العربية الإسلامية بدأت عبر المذهبية، تلك جعلت السلعة هي القوة التوحيدية، وعبر مكونات سياسية تلغي الأسلاك الشائكة للقوميات والمذاهب والأقاليم، وهذه قامت بتهييج هذه العناصر وحجزت الموارد.
كرستْ المذهبَ – الدولة، فحركتْ السلعةَ كما تشاءُ الأهواءُ الاجتماعية، فمرة احتياطاً للغرب، ومرة تكديساً للسلاح المعطل في المخازن، أو الـمُهدِّد للشعوب والـمُفقِر لها، فظهرَ المذهبُ – الدولة المضادة، وكلُ سوقٍ تنقسم، والخريطة تواصل التمزقَ: لبنان، والعراق، واليمن، والسودان، وباكستان، وافغانستان الخ.
الرد على ذلك تغيير التجارة البينية بين الدول العربية الإسلامية التي لا تتعدى 4%، تأسيس المشروعات الكبيرة المشتركة، تجاوز الدولة المذهبية، رفض الحروب والتسلح الباهظ، عقد الصفقات الاقتصادية ونشر المصانع والمؤسسات التقنية، رفض الأحلاف والاستقطابية الثنائية المزمنة النازفة. أي القيام بالمهمات الحقيقية العادية وتشكيل “إمبراطورية” عربية إسلامية مفتوحة للتجارة على غرار السوق الأوروبية.

صحيفة اخبار الخليج
10 اكتوبر 2010