المنشور

من خيمة منيرة فخرو الانتخابية


بين صورتين مميزتين يبدو فيهما الرمز الوطني وقائد جمعية العمل الوطني الديمقراطي، عبدالرحمن النعيمي، محتفظاً بابتسامته المشرقة التي تعكس سلوكاً تفاؤلياً تحلى به النعيمي في المراحل الحالكة من تاريخ شعبنا، وتمسك به عند المنعطفات الحادة التي عرفتها الحركة الوطنية البحرينية، اعتلت مرشحة «وعد» في الدائرة 4 من المحافظة الوسطى منيرة فخرو المنصة كي تلقي كلمتها في ليلة افتتاح خيمتها الانتخابية مساء الخميس الماضي. في الوهلة الأولى، انتابني شعور بالخوف على منيرة بعد الكلمة التي ألقاها أمين عام «وعد» إبراهيم شريف والتي زاوج فيها بحنكة سياسية بين حرص «وعد» على التمسك بشعارها الانتخابي، وتشبثها بتحقيق برنامجها الموازي له من جهة، والمرونة التي تتطلبها المرحلة الانتخابية الراهنة من جهة ثانية. لكن تلاشت موجة الخوف تلك، بعد أن تناولت منيرة الكلمة، ووصلت عند شرح مغزى وأهمية شعار «وعد» الانتخابي قائلة: «الشكر والتقدير لأبناء مدينة عيسى ومدينة زايد الذين وضعوا ثقتهم في امراة تحلم أن تحقق لهم ولأبناء شعبنا الوفي العزة والكرامة والعدالة والحرية والمساواة». حينها تهيأت لمتابعة ما سوف يرد في تلك الكلمة. ومن يقرأ بعناية ما جاء فيها، يكتشف أن منيرة كانت تخاطب، بعناية وتمييز، أربع فئات أساسية يمكن رصدها على النحو التالي:

1. السلطة التنفيذية، حين قالت: «في بلادنا أيها الحضور، (هناك) غياب خطة تنموية قادرة على توفير السكن اللائق والأجر العادل، وفي بلادنا ما زالت الأزمة الدستورية تعطل مسيرة الديمقراطية الحقيقية، فالدستور الصادر العام 2002، خلق مجلساً نيابياً ناقص الصلاحيات التشريعية والرقابية من جهة، وأعطى مجلس الشورى سلطة التشريع يتقاسمها مع ممثلي الشعب». في هذه الفقرة المكثفة، تؤكد منيرة، بأنهم في «وعد»، ما تزال تؤرقهم المسألة الدستورية، ومن ثم فهم ليسوا نواب خدمات، يضحون بصلاحياتهم ومسئولياتهم التشريعية، لهثاً وراء مكاسب آنية سريعة تحققها «العلاقات الخدماتية» بين المرشح الفائز وأبناء دائرته. ثم استطردت منيرة مخاطبة السلطة التنفيذية أيضاً، لافتة نظرها إلى الحيز الذي يطمح التيار الوطني الديمقراطي أن يحظى به في خارطة القوى السياسية المعارضة، والذي تحاول السلطة أن تقلصه تحت مبررات واهية، فقالت: «نحن (قاصدة التيار الوطني الديمقراطي) ورثة الحركات القومية التي قدمت التضحيات منذ الستينيات من القرن الماضي، من أجل الحرية والمساواة والعدالة والديمقراطية والحقوق». والقصد من ذلك أن من هم في التيار الوطني الديمقراطي، يستمدون شرعيتهم، ومن ثم حضورهم السياسي، من تاريخ قديم، ليس من حق أحد أن ينكره، ومن ثم فإن ميلان موازين القوى اليوم لغير صالح هذا التيار، لا تعدو كونها مسألة مؤقتة قصيرة لن تستمر طويلاً في تاريخ هذا الشعب. وبهذا تدعو منيرة السلطة، هنا، وبشكل مبطن أن تنظر إلى المستقبل وتراهن عليه، بدلاً من الرضوخ للواقع القائم والانصياع الأعمى له.

2. القوى التي من خارج التيار الوطني الديمقراطي، والتي تحاول أن تجتزئ تاريخ النضال الوطني، فتحصره في فئة معينة، وفي مرحلة تاريخية قصيرة، فنجدها تقول، مخاطبة تلك القوى، إن تمسكها (قوى التيار الوطني الديمقراطي الذي تنتمي له منيرة) بالمبادئ والقيم تنغرس عميقاً في تاريخ نضالات شعب البحرين فهم (التيار الوطني الديمقراطي)، « ورثة النضال الوطني أبان الاستعمار البريطاني، حيث قادت رموز وطنية راية المطالبة بالاستقلال والمشاركة السياسية والديمقراطية وتوحد الطائفتين وجميع أبناء شعبنا العظيم في هيئة الاتحاد الوطني». في ذلك تدعو منيرة، وبشكل مبطن أيضاً، تلك القوى كي تقرأ التاريخ بشكل صحيح، وتستفيد من دروسه بشكل بناء عندما تنسج علاقاتها التحالفية مع قوى التيار الوطني الديمقراطي، كي تبتعد عن التكتيكات الآنية، وتتحول نحو العلاقات الاستراتيجية الطويلة المدى، التي تعطي لكل ذي حق حقه.

3. المواطن العادي، الذي تحاول منيرة، ولها كل الحق في ذلك أن تكسب صوته، حين قالت: «شعبنا يحتاج إلى نواب شجعان وناكرين للذات، ولا يفضلون مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، ولا يلهثون وراء المال وزيادة أرصدتهم. نواب يرفضون الامتيازات غير العادلة… ويعززون الوحدة الوطنية ويرفضون الطائفية، ويحاربون الفساد… ويمارسون النقد والمحاسبة لأداء الحكومة». هنا توصيف دقيق للنائب الذي تبحث عنه منيرة، وتطالب المواطن أن يدلي بصوته لصالحه، دون أي اعتبار لقضايا أخرى، اجتماعية كانت أم طائفية. بالقدر ذاته، لاتهمل منيرة القضايا المعيشية للمواطن، وتفرد لها حيزاً لا بأس به في كلمتها أنه «واجب مقدس أن أشارك في تخفيف آلامكم، وتحقيق طموحاتكم وأحلامكم المشروعة والعادلة، وفي الحياة الكريمة، وفي العدالة الاجتماعية الحقيقية».

4. المرأة المرشحة (بكسر الشين)، والمنتخِبة (بكسر الخاء)، حيث قالت «لقد أطلقوها مقولة صدقوها هم تقول إن المرأة عدو نفسها، ولهذا فشلت المرأة في الانتخابات الماضية، ولكني أقول لكم إن عدو المرأة في هذه الانتخابات هي المراكز العامة، وهي التي أسقطت المرأة في الانتخابات الماضية، بل أسقطت المرأة والرجل معاً». هنا تضرب منيرة، وبذكاء، أكثر من عصفور بحجر، فمن جانب هي تؤكد وقوفها إلى جانب المرأة، مرشحة كانت أم منتخبة، لكنها تغمز أيضاً من قناة «المراكز العامة، والدور «غير الدستوري»، الذي تمارسه تلك المراكز.

أوصلت منيرة صوتها جهورياً واضحاً لكل تلك القوى، والأيام المقبلة ستكشف كيف ستتجاوب تلك القوى، كل من منطلقاته، مع ما جاء في كلمة منيرة من دعوات صادقة تبحث عن التأسيس لمجتمع ينحو باتجاه المملكة الدستورية.
 
الوسط 2 أكتوبر 2010