المنشور

مكاسبنا الوطنية ليست ملكية خاصة

في المحصلة، يتفق الجميع تقريبا على أن ما تمر به البحرين في الفترة الحالية من حالات احتقان أمني وسياسي هي ليست وليد اللحظة، بل هي نتاج سنوات من الإرباك والتشويه والقصور وقصر النظر السياسي وعدم الجدية في التعاطي مع الواقع السياسي والاجتماعي وعلى أكثر من صعيد، ومن قبل أكثر من طرف، وهو الواقع الذي لم تُجد معه حتى الآن كل الدعوات الصادقة والمخلصة التي ربما استوعبت باكرا خطورة ترك كل تلك القضايا والمشاكل للتراكم، لتخلق بدورها مزيدا من التعقيد والتشابك والتشويه والتداخل، لتصبح مع الزمن كومة متضخمة من المصاعب أمام الدولة والقوى الوطنية بشكل عام، ولتبدو وكأنها كرة ثلج تتدحرج باتجاه إحداث تدمير اجتماعي وسياسي لا يمكن التنبؤ بمنعطفاته وتحولاته القادمة. هذا هو بالضبط ما نستشعره نحن البحرينيين، وتحديدا منذ اندلاع موجة العنف الأخيرة، حيث ينبئ الوضع السياسي لدينا بحالة من الحذر من شيء ما لا نستطيع أن نقطع بطبيعته وما يحمله لنا من مفاجآت، رغم تمنياتنا أن تكون سعيدة باعثة على الأمل لمواصلة مشوار طويل بدأناه سويا نحو بحرين المستقبل، وهو وضع يخبئ في دواخله الكثير مما يمكن أن يترتب عليه لاحقا، وقد سبق أن خرجت أصوات وطنية مخلصة عدة، محذرة من مغبة استسهال تلك الحالة أو السماح لها بالتضخم.
حالات التوجس والحذر هذه هي التي تأخذنا اليوم باتجاه المجهول، وهو واقع لم نكن نتمناه يوما لكنه أصبح معاشا بكل تفاصيله اليومية المرعبة، لذلك علينا أن نحسن التعامل معه بالشكل أو الأسلوب الأمثل لنتجنب المزيد من المصاعب التي تنتظرنا وذلك للخروج منه بأقل الخسائر الممكنة. هنا تتجاذبنا اعتبارات عدة لا مجال للتفصيل حولها بشكل أكبر، ولكن يمكن الإشارة إليها على أية حال، فالحفاظ على المكتسبات وما تحقق حتى الآن هو مسئولية الجميع دون استثناء وأولهم الدولة وقوى المعارضة السياسية، وكذلك عدم السماح للحالة الأمنية الراهنة بأن تصبح واقعا علينا أن نستسلم لمعطياته وتداعياته، وما أفرزه مجتمعنا من انقسامات طائفية ومواجهات وأضعاف في نسيجنا الاجتماعي الذي علينا الاعتراف أنه لم يعد متماسكا كما تمنينا باستمرار، كما أن مسألة الحفاظ على ما تحقق من مكاسب خلال الفترة الماضية تبدو ملحة وعلى جانب كبير من الأهمية، ومن الخطأ الاعتقاد أن تلك المكاسب هي ملك لأحد بعينه أو لجهة أو لفصيل سياسي محدد أو لحزب أو تيار مهما طغت حالة الاستحواذ والهيمنة لديه، ويكفينا القول إن ما تحقق من هامش متاح من حرية التعبير والنشر هو انجاز لنا جميعا، وبالمثل أيضا، فان ما تحقق على مستوى الحريات والعمل النقابي هو ملك وحق للجميع، ساهمنا جميعنا في الحصول عليه عبر تضحيات وسنوات من التعب ونكران الذات، والمستوى الذي بلغناه في ممارسات حقوق الإنسان ومعدلات الشفافية، وما أنجزته البحرين طيلة السنوات العشر الأخيرة في المجالين المذكورين محليا وعالميا، من الخطأ اعتبارها انجازات لجهة ما أو لجمعية أو هيئة أو حتى حزب أو تيار أو جماعة، فجميعها انجازات ومكاسب للوطن وللناس، وبالتالي يصبح من الظلم لنا جميعا أن يسمح طرف أو جهة رسمية أو أهلية لها بالضياع أو المصادرة هكذا بفعل قرار غير مدروس أو ممارسة غير حصيفة أو تهور أو فعل طائش!
وبالنسبة لنا فان مكاسب مثل حرية التعبير والنشر والتقدم في ملف الحريات وحقوق الإنسان والممارسة السياسية والديمقراطية ومشاركة المرأة وحرية العمل الحزبي والنقابي، هي مكتسبات لا يمكن إغفالها أو التفريط فيها تحت أي ظرف، ليصبح التخلي عنها أو استرخاصها معناه القبول بالعودة بنا جميعا وبالمجتمع إلى المربع الأول، وذلك واقع لا يمكن القبول به لمجتمع ألِف واعتاد على تلك الممارسات في إدارة عملية الصراع الاجتماعي فيه، رغم تسليمنا بكل ما يعتريها من نواقص ومثالب! فتلك المكاسب بقيت على الدوام مطالب وطموحات مشروعة سعت لأجلها قوى وطنية وأجيال متعاقبة قدمت في سبيلها تضحيات كبيرة ومرهقة وبالتالي لا يمكن السماح بإهمالها أو إضاعتها.
نقول ذلك ونحن نعايش واقعا مربكا ومشوشا تداخلت فيه الكثير من المستجدات والإصطفافات والمصالح الضيقة لتزيده تشويها على ما فيه، ليتم توظيف بعض مخرجاته العقيمة لتحدث فينا انقسامات وانزياحات طائفية ومذهبية وسياسية بائسة لا تنتج سوى التدمير المنهجي والتراجع المقيت، في الوقت الذي تبقى قضايانا وأولوياتنا المجتمعية معلقة والمعالجات المطلوبة في ظل الانشغال والمشاغلة المستمرة التي أبتلي بها مجتمعنا بفعل تلك الحالة المشوهة من الفعل السياسي العقيم وغير الرشيد، التائه على الدوام في عملية بحث لا تنتهي عن شيء لا يعرفه! لتظل المزايدات ونزوات التخوين والتسقيط والخوف من الآخر وحالات العنف ومصادرة الرأي الآخر والإرهاب الفكري بدائل متاحة عن الحوار المثمر الجاد والخلاق!
 
صحيفة الايام
15 سبتمبر 2010