المنشور

المدن الموعودة والأمن الاجتماعي للناس

يتعين التفكير ملياً في مسألة انقياد بعض الشباب نحو خيار العنف والتطرف الذي نرفضه رفضاً قاطعاً، غير أنه من المهم تحليل ما يجري على نحو أكثر عمقاً لمعرفة الدوافع النفسية والاجتماعية لهؤلاء الشباب.

حدثني بعض من أثق بنقله بأن عدداً من المعتقلين وخصوصاً الشباب يعيشون في أوضاع اجتماعية صعبة ومنازل آيلة للسقوط، وبالطبع ذلك ليس مبرراً للجنوح نحو أساليب غير سلمية. وإذا تحدثنا عن الواجبات الحتمية لهؤلاء الشباب في الانقياد للدولة والاعتراف بالمؤسسات والقانون فإن ذلك يعني في المقابل أيضاً أن نذكر الدولة بمسئوليتها تجاههم.

الأمن الاجتماعي والاقتصادي للناس طريق مهم لإبعاد الشباب عن دائرة العنف، فلا بد أن تقوم الدولة بتقديم الخدمات الكاملة من دون منة كما كان ذلك بشكل جارح في التلفزيون الرسمي. لأن الخدمات العامة حق دستوري أصيل وجزء من حقوق المواطنة التي لا يمكن تجزئتها.

لقد أصدر جلالة الملك أمره الكريم قبل أكثر من ثماني سنوات بإنشاء أربع مدن إسكانية تستوعب 50 ألف مواطن، ولكن هذا الحلم لم يتحقق حتى الآن. فلنقف وقفة مصارحة اليوم لنتساءل عن المعوقات التي حالت دون تنفيذ هذه المشروعات الاستراتيجية.

فحين تفضل سمو ولي العهد بوضع حجر الأساس في المدينة الشمالية في أكتوبر/ تشرين الأول 2002، استبشر الناس خيراً، لأن هذه المدينة ستقضي على آلاف الطلبات المتراكمة في أدراج وزارة الإسكان، وحسب ما أعلن كبار المسئولين حينها في احتفال وضع حجر الأساس فإن المدينة الشمالية ستقام على مساحة تقارب 1500 هكتار من المساحات البحرية المتاخمة للمحافظة الشمالية، وستستوعب أكثر من 20 ألف وحدة سكنية.

وكانت زيارة سمو ولي العهد مهمة وتاريخية ولها دلالاتها المحفوظة في الوجدان، ومن أجمل ما قاله سموه بعد لقائه الشيخ عيسى قاسم: «إن الكل له جهد، بغض النظر عن انتمائه السياسي، في إعادة بناء هذه المناطق، وكل مناطق البحرين، وإذا استطعنا أن نجتمع على ذلك فنحن بخير، لأن المصلحة العامة والمصلحة الفردية في هذا الوقت لتأمين الحياة الكريمة المستقرة ضرورة ملحة، ونأمل من الله أن يوفقنا».

ولكن مع كل أسف، فإن مشروع المدينة الشمالية تعثر وأصبح في طي النسيان وأتمنى من صميم قلبي ألا يكون هذا المشروع التنموي الخدمي الاستراتيجي في عداد المفقودين. فأنا شخصياً رصدت 12 موعداً مختلفاً لبدء العمل في المدينة الشمالية، هذا ما استطعت حصره على لسان المسئولين. وكلما يقترب استحقاق انتخابي يخرج المسئولون بتصريح جديد عن المدينة، وكأنها ورقة سياسية أكثر من كونها مشروعاً تنموياً ملحاً لتثبيت دعائم الاستقرار.

لا أتحدث اليوم من واقع التعليق المجرد ولا حتى البكاء على اللبن المسكوب، وإنما من موقع الأمانة في إيصال الحقيقة للقيادة والمسئولين. وهذا جزء لا يتجزأ من واجبات الصحافة ومسئولياتها أن تكون حاملة لتطلعات الناس على الدوام.

اليوم حين أزور الموقع المفترض للبناء بعد ثماني سنوات من وضع حجر الأساس أكتشف أن لا وجود لأي مؤشر على مشروع إسكاني فيه، ولم يستقر حجر على حجر. ليست المدينة الشمالية وحدها، بل الحال ينطبق على زميلاتها الثلاث الأخريات وعن وعود سابقة ولاحقة.

إذاً لتبيان الحقيقة، لا بد من عقد ورشة عمل وطنية لنعرف أسباب عدم تنفيذ الدولة للتوجيهات الملكية الكريمة ببناء أربع مدن إسكانية في مختلف محافظات المملكة رغم مرور قرابة عشرة أعوام على صدور هذه التوجيهات. لأن تنفيذ هذه المشروعات التنموية الاستراتيجية سيقضي على أية منابع للتطرف وسيسحب من تحت أقدامها بساط المبررات.
 
الوسط 13 سبتمبر 2010