المنشور

هل شاخت «أوبك» وهي في الخمسين؟

قبل نصف قرن، في مثل هذه الأيام (14 – 16 سبتمبر/ أيلول) من العام 1960 اجتمع في بغداد ممثلو خمس دول، هي إيران، العراق، الكويت السعودية وفنزويلا. بنتيجة هذا اللقاء أعلنت ولادة كارتل النفط العتيد: منظمة الأقطار المنتجة والمصدرة للنفط (أوبك).
بعد تأسيسها أصبحت أوبك لاعباً حاسماً في سوق النفط العالمية. والآن يبلغ عدد أعضاء أوبك 12 بلداً، بعد أن التحق بالمنظمة كل من قطر، ليبيا، الإمارات، الجزائر نيجيريا، أنغولا والأكوادور. وتبلغ حصة أوبك في الوقت الحاضر 40 في المئة من إنتاج النفط العالمي وثلاثة أرباع احتياطي العالم من الذهب الأسود.
عادة ما تركز اجتماعات أوبك التي تعقد في مقرها في العاصمة النمساوية (فيينا) على مسألتين تعتبرهما الأساس دائماً: حصص إنتاج وحصص تصدير النفط بعد تحليل التناسب بين العرض والطلب عليه في الأسواق العالمية. وقد ظل هدف أوبك الرئيس هو ألا تزيد إمدادات النفط على الكميات الممكن بيعها، كي لا يؤدي ذلك إلى حدوث انهيار كبير لأسعار النفط. في الوقت نفسه ظل قادة أوبك حريصين عادة على عدم حدوث ارتفاع كبير في أسعار النفط، خشية أن يؤدي ذلك إلى حدوث الأزمات الاقتصادية، ما قد يؤدي بدوره إلى ضرب أسواق النفط بسبب الهبوط الحاد في الطلب عليه.
وهكذا، فقد أصبحت أوبك مجرد أداة لتنظيم الأسعار لا أكثر. أما أهداف المنظمة الحقيقية يوم قيامها فقد كانت غير ذلك. فالدول المؤسسة لأوبك أرادت آنذاك أن تبين للدول المتقدمة تطور وعيها الوطني وقدرتها على كسر الهيمنة التي تمارسها شركات النفط الكبرى على سوقه العالمية. وقد استعرضت البلدان العربية المصدرة للنفط تلك القدرة حين أعلنت في العام 1973 حظراً نفطياً على أميركا ودول الغرب الأخرى بهدف تحقيق انسحاب إسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة بنتيجة عدوان العام 1967. حينها حذر المستشار النمساوي برونو كرايسكي من أن ارتفاع سعر النفط لأربعة أضعاف مستوياته العام 1972 يمكن أن يؤدي إلى بروز مظاهر الأزمة في الاقتصاد العالمي.
وقد أجبرت تلك الأزمة بعض الدول الغربية على منع استخدام السيارات أثناء عطل الآحاد، وحفزتها على البحث عن مصادر الطاقة البديلة وإدخال نظام التوقيت الصيفي. وبنجاحه في خفض اعتماده على نفط أوبك اعتقد الغرب أنه أضعف هيمنة أوبك في سوق الطاقة بشكل تام ونهائي.
أما بلدان أوبك فتعتقد أن هدف تأسيس المنظمة قبل خمسين عاماً قد تحقق، حيث ضمنت أوبك لدولها الأعضاء حق التصرف الكامل بثرواتها الطبيعية بعد أن كانت غارقة في الفقر. وهذا ما حاول تأكيده وزير الثروات الطبيعية في الأكوادور ورئيس المنظمة الحالي ب. موريس.
من جهتهم، يتخذ سياسيو واقتصاديو الغرب موقفاً حيال نشاط أوبك. فمدير معهد الحقوق الجارية الاقتصادية الألماني دانييل تسينير ينادي عملياً بحظر أوبك: «الكارتل» كما هو معروف يعمل لصالح أعضائه. وهذه المصالح تقضي باستمرار ارتفاع أسعار النفط أو أن تبقى كميات النفط المطروحة في الأسواق محدودة. ولهذا وذاك يتعين على المستهلك دفع الثمن. وهذه هي الإجابة المبسطة لسؤال: «لماذا يتعين حظر أوبك؟».
أما خبير أكبر مركز تحليل في ألمانيا للقانون المالي التسليفي التابع لدويتشه بنك، تيودور أورتس، فيرى بأن من الممكن، بل من الواجب الاتفاق مع هذا الكارتل، لكنه يجب التفكير في الضمانات أيضاً.
ويذكّر خبير الطاقة في مركز التحليل التابع لمصرف دويتشة بنك في فرانكفورت على نهر الماين، جوزيف آور، بأن بلدان أوبك خفضت إمدادات النفط للأسواق العالمية مرتين عن عمد خلال عقد واحد من السنوات. وفي كل مرة أدى ذلك إلى ركود اقتصادي كبير في الغرب. وهكذا فإن تكثيف الجهود وتوسع الأعمال من أجل استغلال مكامن النفط في بحر الشمال، التوجه لبناء المحطات الكهرونووية لتوليد الطاقة في ألمانيا أو التوسع في إدخال التكنولوجيات الموفرة لاستهلاك الطاقة، كل ذلك يعدُّ بشكل رئيسي نتيجة لممارسات أوبك.
لكن الحقيقة الواقعة هي أن الدول الغربية استطاعت أن تجرد أوبك من الأهداف المبدئية التي قامت من أجلها. واستطاعت أن تختزل المعركة في حلبة الصراع على الأسعار فقط. وتركت إلى الصفوف الخلفية الأهداف الأهم كدمج قطاع النفط بشكل عضوي في اقتصادياتها الوطنية واعتماد تجارة النفط كأساس لبناء علاقات تجارية واقتصادية متكافئة تخدم مصالح التنمية الحقيقية في البلدان المنتجة كما تستجيب لحاجات التطور العالمي عامة.
في الوقت الحالي يرى بعض الخبراء الألمان أن الفزع حيال أوبك قد تم تبديده، وأن ما يثير قلق الغرب الآن هي تهديدات أخرى، في مقدمتها جوع الصين المتزايد للطاقة، ومحاولاتها وضع عمليات استخراج النفط في العالم تحت سيطرتها. وهم يخشون من أن هذا يمكن أن يؤدي إلى نقص في إمدادات النفط العالمية. لكن البعض الآخر يحذر من أنه لا يجب إسقاط أوبك من حسابات الغرب. وقد تكون أوبك تغط الآن في أحلام، كونها لا تسيطر سوى على نحو 35 في المئة من استخراج النفط حول العالم. لكنها، مع ذلك، وبعد 15 – 20 سنة، حيث سيستنزف كثير من حقول النفط المنتجة في مناطق أخرى، ستعاود حصة أوبك في الإنتاج العالمي إلى الارتفاع إلى نحو 50 في المئة. وعليه فستعود هذه المنظمة من جديد لتصبح أقوى مما كانت في السابق. ولذلك يرون بأن على الغرب تكثيف الجهود من أجل البحث بشكل جدي عن مصادر بديلة للطاقة.
أما مصالح بلدان أوبك الحقيقية في القرن الحادي والعشرين فتقتضي الجمع بين الأهداف الأساسية لقيام المنظمة قبل خمسين عاماً والواقع الذي يتنبأ به الخبراء بالمكانة القادمة لدول أوبك في الإنتاج العالمي للنفط والتخطيط من أجل احتلال دول المنظمة لمكانها اللائق في الاقتصاد العالمي وفي التقسيم الدولي للعمل ليس كمستخرج ومصدر للنفط فقط.
 
صحيفة الوسط
13 سبتمبر 2010