المنشور

إعلانات محاربة الإرهاب


من تسنح له فرصة ركوب السيارة والتجول بها في شوارع البحرين الرئيسية، وعلى وجه الخصوص الطرق السريعة منها، سيقرأ مجموعة من الإعلانات غير التجارية المنتشرة على جوانبها التي تحمل تواقيع بأسماء أشخاص، من الواضح أنهم يطمحون إلى خوض الانتخابات، البلدية أو النيابية المقبلة، ويحاولون أن تكون تلك اللوحات جزءاً مهماً من أركان حملاتهم الانتخابية. الأسماء تقول، أيضاً، أن البعض منهم، هم من كانوا أعضاء في أحد المجلسين، النيابي أو البلدي، خلال الدورة السابقة. تدعو تلك اللوحات الإعلانية صراحة ودون أية مواربة ومن غير أي استثناء إلى إدانة ما وضعته في خانة «الإرهاب»، وتحاول، أن توصل تلك الرسالة، وبشكل مفتعل لا يستند إلى عناصر علمية مقنعة، من خلال الربط بينها بين احتمالات فشل مشروعات التنمية، او إجهاض المشروع الإصلاحي، أو انعدام الأمن والاستقرار الذي يبحث عنهما المواطن الصالح. من يتمعن في نصوص تلك اللوحات، ومكوناتها الفنية، والعناصر البارزة فيها، يكتشف دون أي عناء أنها، إذا افترضنا أنها جزء من الحملة الإعلامية الانتخابية، التي يطمح من يقف وراءها إلى الفوز في الانتخابات المقبلة، تعاني من الثغرات التالية:

1. الانفعالية، حيث تطغى عليها النبرة التحريضية التي تفرغها من أي مدلول سياسي، بالمعنى الانتخابي للعمل السياسي. فجميعها لا يعدو كونه عبارات إنشائية تحاول أن ترقى إلى مستوى الجمل السياسية التحريضية، لكنها تبدو مجوفة وخالية تماماً من أي هدف سياسي، سواء على المستوى المنظور القصير، أو الاستراتيجي البعيد المدى.
2.الرياء، فأسلوب صياغة النص وسكبه في الخلفية الفنية ينضح بالرياء المصطنع الباحث عن أقرب مشجب يعلق عليه بشكل سريع أسباب العواصف التي تهب على البحرين، وتهدد بجرفها نحو هاوية لا يستطيع أحد ان يتكهن بالقرار الذي يمكن ان تنتهي إليه.
3. التحريضية الرخيصة المبطنة بإشارات مبهمة تبحث عن ضحية سهلة، تحولها إلى كبش فداء يدفع وحده ضريبة ما تشهده البحرين من مظاهر عنيفة ضحاياها الحقيقيون، هم الشباب المغرر بهم، كائناً من يكون المحرك الرئيسي لهم.
4. السلبية، حيث تخلو تلك اللوحات تماماً، من أية دعوة إيجابية لوقف دورة العنف، بل إن من يعيد النظر فيها، سيكتشف أنها بشكل غير مباشر تبرر بعض أشكال العنف، الذي قد يتوهم من صاغ تلك العبارات أنها قادرة على وضع حد له، لكنها على العكس من ذلك تماماً لن تكون سوى نافخ كير في نيرانه.
 
ومن أجل معالجة هذه الظاهرة الدخيلة على العمل السياسي البحريني، والبعيدة كل البعد عن تراث بيئتنا السياسية، لابد من إعادة التأكيد على شجب كل أشكال العنف، الذي بات يسيطر على الشارع السياسي البحريني اليوم. ينبغي أن نقولها صراحة، وبملء الفم، أننا ضد كل أشكال العنف، وندعو إلى إيقاف دورته، الذي يخطئ من يتوهم انه يمكن ان يحقق مكاسب سياسية لصالح أية فئة حريصة على الحفاظ على البيئة التي أنشأها المشروع الإصلاحي، من خلال الاستعانة بأي من أشكال ذلك العنف. بل ونأمل أن يحرص الجميع على ممارسة العمل السياسي من فوق منصة المشروع الإصلاحي، وفي نطاق قوانينها. فأي خروج عليها، لن يساهم في تهشيم تلك المنصة الإصلاحية التي ينبغي الدفاع عنها فحسب، بل سيكون سبباً مباشراً في إعادة البحرين إلى مرحلة ما قبل ذلك المشروع، حيث تسيطر على الساحة السياسية قوانين قمعية من نمط «قانون أمن الدولة».
 
بعدها ننتقل إلى لب الموضوع، فنتوقف عند تلك اللوحات الإعلانية التي تحدثنا عنها والتي، سنفترض جدلاً، ومن أجل توضيح سلبياتها أنها تحاول ان تمارس دوراً إيجابياً بالمشاركة في وضع حد لموجة أعمال العنف التي تسود الشارع السياسي البحريني اليوم، والتي لا يختلف اثنان على إفرازاتها السلبية.
 
يخطئ من يتوهم انه من خلال تلك اللوحات يمكن الوصول إلى حل جذري صحيح لمشكلة العنف التي تسود البحرين اليوم، إذ لا يمكن ، بل من المحال، أن يكون لمثل هذه المداخل السطحية ان تصل إلى لب تلك المشكلة، دع عنك إمكانية المساهمة في حلها. ومن هنا فتوقعاتنا أن انعكاساتها سوف تكون سلبية أكثر ما تكون إيجابية، اللهم إلا إذا كان القصد من ورائها إثبات ولاء مصطنع لأسياد وهميين. أكثر من ذلك وأسوأ منه أيضا، وإذا إفترضنا جدلا، انها تخاطب من يقف وراء تلك الأعمال التي تنعتها اللوحات بالإرهاب، فهم لا يمكن أن يخرجوا عن إطار فئتين، الأولى واعية ومدركة لما تقوم به، ومن ثم فلا يمكن ان تلتفت إلى لوحات إعلانية سطحية، تحمل رسالة سياسية ساذجة، مثل تلك التي باتت تكتظ بها شوارع البحرين، والفئة الأخرى عفوية مندفعة ومغرر بها، ومن ثم فإن حماسها واندفاعها، بل وربما عفوية إخلاصها، جميعها عوامل تحجب عنها رؤية ما تدعو له تلك اللوحات، الأمر الذي من شأنه استفزازها وتأجيج مشاعرها. والمحصلة النهائية لمحتوى تلك اللوحات، إما هدر للأموال والطاقات وحرف للعمل السياسي الجاد، أو استفزاز وتأجيج مشاعر نحن في أمس الحاجة لطاقات من هي بحوزته.

لذا فنقول لمن أرهق نفسه ونصب تلك اللوحات، الأولى به أن يصرف أمواله وجهوده في أنشطة أخرى تعود عليه بالمكاسب السياسية الحقيقية، وعلى البلاد بالنفع العام، كي نصل إلى ورقة رابحة لجميع المخلصين دون أي استثناء
 

صحيفة الوسط البحرينية 05 سبتمبر 2010م