المنشور

النقد بلغة الماو ماو


منذ زمن بعيد تتعرض ثلة من القيادات الوطنية الى هجوم قاس وجارح هو أشبه بحرب العصابات ومن يشنها للأسف هم رفاق الدرب والنضال المشترك.

لعل أبشع ما يمكن للمرء تصوره عندما يحتدم الخلاف السياسيّ هو اللجوء إلى استخدام لغة ومفردات التخوين والتسقيط بهدف تجريد الخصم من قيم الوطنية والنضال. ذاك ما يتعارض ليس مع هذه القيم الوطنية فحسب بل هو في الأصل يتنافى مع المبادئ الإنسانية المشتركة التي يجب المحافظة عليها وتكريسها كإرث نضالي للأجيال القادمة.

السؤال: لماذا يلجأ البعض إلى تشويه صورة الآخرين وتاريخهم الوطني وتسقيطهم؟ لقد بلغت الحال بالبعض إلى حد “اقتراف المخازي التي يمكن ان تخطر على بال وتلك التي لا تخطر بتلفيق الأكاذيب وخلق الإشاعات والتعريض بالشرف الوطني والنزاهة الشخصية” كما أشار إلى هذا د. حسن مدن الأمين العام لجمعية المنبر الديمقراطي وأحد القيادات الوطنية في البحرين.

التعريض بهؤلاء الوطنيين بتشويه سمعتهم لا يصب في مصلحة احد ولا يؤدي إلى تحقيق الهدف الذي يسعى له كافة المخلصين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والسياسية. وكأن من افنوا حياتهم وأعمارهم في النضال الوطني باتوا يباعون ويشترون في سوق النخاسة السياسية.

إن ما دأبت عليه بعض الأقلام والمنابر الالكترونية من تشهير هو أشبه بما تمارسه بعض القبائل في أفريقيا من التخلص من خصومها بطبخهم في قدور نحاسية. وهو أمر يبعث على الأسى لما ستخلفه من آثار مدمرة لا عليهم كأفراد فقط بل إنه ينسحب على تاريخ الحركات الوطنية، وهم في سبيل تسفيه وتسقيط الآخرين لا يتورعون عن إلصاق ما شاؤوا من تهم ونعوت كالعمالة والخيانة والانحراف الفكري والإيديولوجي، إلى آخر الألقاب مما ينبو عنه الذوق السليم.

ربمّا كان الهدف الذي يرمي له البعض من وراء هذه الحملات غير الموضوعية باستهدافهم القيادات الوطنية هو قطع الطريق أمامهم ومنعهم من المشاركة في التجربة البرلمانية، وهو أمر يدعو للأسف؛ ذلك أنّ وجود ممثلين للتيارات الوطنية والديمقراطية ضمن أعضاء المجلس النيابي لا شك أنه يمثل مكسبًا وإضافة للعمل الوطني وإثراء للتجربة النيابية ليس فقط الجمعيات الوطنية وحدها بل كافة التيارات نظرا لما تتوفر عليه من رؤى وتجارب وخبرات وما تتبناه من قضايا وهموم وطنية كالإصلاح السياسي التي هي هواجس مشتركة لكافة الأطياف الوطنية. والذين عاصروا التجربة النيابية في البحرين لعام 73م لا شك أن ذاكرتهم تحتفظ بالمناقشات العميقة لأعضاء الكتلة الوطنية كما كانت تسمى آنذاك، ومن تفاعل جماهيري مع طرحهم الذي اتسم بالنضج السياسي. ولا أدل على هذا من الحرص لدى الجمهور على متابعة الجلسات النيابية.

ولعل السمة الأبرز كما يبدو لنا للقوى الوطنية هو أن أداءها السياسي غير مرتهن للثنائية المذهبية والانقسامات الفئوية وهو ما ينم عن إدراكها وإحساسها بأهمية وشروط العمل البرلماني.

انّ الخطوات التي ينتهجها التيار الوطني والقاعدة التي يتحركون من خلالها كانت في اغلبها تتميز بالواقعية والمصارحة والوضوح حتى في مواقفها وتحالفاتها مع القوى الأخرى إضافة إلى استنادها لبرنامج اجتماعي وفكري يتميز بالمرونة.

وتبقى الإشارة إلى أن الاختلاف في الرؤى السياسية يجب النظر إليه باعتباره اغناء للثقافة وإثراء للمعرفة وهو الأمر الذي يعمل على تجذير قيم الحرية والديمقراطية. بل انّ تكريس قيمة جميلة كالحوار يعكس التطور الحضاري لأي شعب او أمّة، وهو ما يدفعنا إلى التفكير في إيجاد آليات حول كيفية التعاطي مع الآخرين لا بحسبانهم أعداء تجب الإساءة إليهم بأشنع الاتهامات، بل بكونهم شركاء درب وهموم. كما يجب التأكيد على أنّ تجريح الآخرين لن يفضي الاّ إلى المزيد من الكراهات والأحقاد.

ثمة قناعة مترسخة بأنه من الخطأ الاعتقاد بالصوابية المطلقة فيما نطرحه من آراء والآخرون بالتالي على خطأ أو هم الجحيم كما قال سارتر. ومن يمارس العمل السياسي ليس منزهاً عن الخطأ. انه في حاجة دائمة إلى النقد الموضوعي وليس (الفضائحي).
 
صحيفة البلاد
2سبتمبر 2010