المنشور

ألم يحن الوقت؟!


المتتبع لخطاب التيارات الديمقراطية في الآونة الأخيرة، وعلى رأسها المنبر الديمقراطي التقدمي، والتجمع القومي الديمقراطي، يجد فيهما بديلا أكثر اعتدالا في ظل الواقع السياسي المغرق في التعقيد.

فوضوح النهج السياسي في الأشهر الماضية لهذه التيارات يمكن أن يجعل من خطابها خطابا وطنيا جامعا بعيدا عن المزايدات، كما أن تحركها في إطار سياسي مدرك لأهمية الحفاظ على الوحدة الوطنية والمكتسبات يجعل منها تنظيمات أكثر مصداقية واتساقا مع المرحلة الجديدة التي تمر بها مملكة البحرين. 

فهذان التنظيمان يمثلان بخيارهما الجديد نموذجا لمعارضة أكثر رشدا من غيرها، معارضة مدركة لضرورة سحب الشرعية التي منحت على طبق من فضة لتيارات الإسلام السياسي التي أفرغت بدورها المطالب الوطنية من مضمونها الجمعي، واستغلت التيارات الديمقراطية في الحصول على شرعية للمطالبة باسم الطائفة.

هذه التيارات الديمقراطية إذا ما خرجت من أسر نظيرتها الدينية، ستكون قادرة على العمل مع مختلف الأطراف على أسس وقواعد أكثر وضوحا، فيمكنها بذلك لعب دور صمام الأمان بالتحول إلى معارضة فاعلة لا منفعلة، معارضة سياسية لا أيديولوجية أو عقائدية أو فئوية، معارضة لديها مشروع واضح المعالم يلقى قبولا من مختلف التيارات الأخرى، فما أحوجنا لمعارضة تعمل على جعل مطلب الانتقال السلمي والتدريجي للديمقراطية مطلبا وطنيا جامعا ومفهوما راسخا عاما.

ولتحقيق ذلك هي مطالبة بمزيد من الوضوح في المواقف إزاء التيارات الراديكالية، كما أنها مطالبة بتعزيز دورها على صعيد القواعد الشعبية، والتي تمثل الأغلبية الصامتة ذات المزاج البحريني العام، أغلبية تؤمن بالعمل السياسي السلمي، ضاقت ذرعا بالدوران حول حلقة العمل الطائفي الممنهج الذي مارسته التيارات الدينية طوال السنوات الماضية.

الدولة بدورها مطالبة بتعزيز الخطاب السياسي المعتدل للجماعات الديمقراطية، وليست المنبر التقدمي والتجمع القومي وحدها، بل هناك تيارات وتجار وتكنوقراط قادرون على حمل خطاب سياسي رصين نحن في أمسِّ الحاجة إليه؛ لمواجهة خطاب التطرف والعنف والتخوين.
لقد سئمنا عبث الجماعات الدينية بعقولنا، كما بات الانزلاق الطائفي أكثر خطرا من ذي قبل، فلم تعد الأمور كسابقتها، إذ لم يعد هناك لاعبون سياسيون معارضةً ودولةً، بل هناك لاعبون سياسيون.

والمجتمع البحريني بات مثقلا بنتائج تحالفات أحدثت فيه انقساما غير مسبوق، ففيما منحت الدولة الشرعية لتيارات الإسلام السياسي السني، منحت التيارات الديمقراطية متخلية عن مسؤليتها التاريخية الشرعية المطلقة للإسلام السياسي الشيعي المعارض، متناسية أن التيارات العقائدية والفئوية ليست أحزابا تتسق مع الديمقراطية، بل هي أنساق مولدة للعنف والقمع؛ لأنها ترى في نفسها حقا وما دونها باطل. ومن هنا، لا يجوز أن تظل السياسية مقصورة على الصراع الأيديولوجي الديني والمذهبي بهذا الشكل الذي أضر بثقافتنا التسامحية.

هذه التيارات زادت بلاءنا بلاءً، وخلقت شروخا وتصدعات في المجتمع عندما قُسمنا سنة وشيعة، سلفا وإخوانا، رساليين وولاة فقيه، مؤمنين وغير مؤمنين، روافض ونواصب، اُستخدم القرآن والسنة والصحابة وآل البيت لتمرير أجندة هنا أو هناك، وفيما أفتى البعض بواجب طاعة ولي الأمر، أفتى آخرون بواجب طاعة الفقيه، وفيما أفتى بعضهم بحرمة التخريب، أفتى آخرون بحلاله، بل ورثوا أجيالنا الشعور بالخذلان والمظلومية، واستخدموا التاريخ للعبث بوعينا، علمونا نتتبع كم كرسيا برلمانيا شيعيا وكم سنيا؟ كم عدد الموظفين السنة والشيعة في هذه الوزارة أو تلك؟ وهكذا دواليك، للأسف، دنسوا الدِّين عندما قدسوا السياسية.

ألم يحن الوقت لدعم الصوت المعتدل من جانب الدولة، وأعطاء العقلاء فرصة لقول كلمتهم، وفك قيد الشارع البحريني الأسير بخطابات دينية سياسية اختلط فيها الرأي بالفتوى! ألم يحن الوقت لتغيير قواعد اللعبة السياسية لتكون أكثر اتساقا وتجانسا مع دولة تنشد القانون والمدنية والانفتاح ولديها رؤية حضارية على مدى ثلاثين عاما!
 
جريدة البلاد 1 سبتمبر 2010