المنشور

كفاكم عبثاً بتاريخ الشرفاء!


لسنا ملائكة ولسنا بقديسين، بل نحن بشر نعمل ونخطىء ونصيب، مثلنا مثل بقية خلق الله، ولسنا بحاجة لأن ندافع عن موقفنا أو أن نزكي تاريخنا الذي زكته المواقف والتضحيات طيلة أكثر من نصف قرن مضى، كنا قابضين على الجمر مع كل شرفاء هذا الوطن مدافعين بصلابة ومبدئية وبإيمان حقيقي لا يعتريه الزيف عن مواقفنا ونهجنا الذي ارتضيناه دربا نفتخر بالسير عليه نحو تحقيق غايات شعبنا في الحياة الحرة الكريمة، نحن الذين كنا على الدوام وسنبقى عنوانا وضميرا للوحدة والتلاحم والصلابة وشجاعة المواقف التي لا تقبل الارتجال أو الاستهتار بأرواح ومصالح البسطاء من الكادحين، كما سنبقى عنوانا وضميرا للتقدم والنهوض.

نعلم جيدا أن هناك من يحاول أن يستدرجنا على الدوام لحروب ومناكفات لا تنتج إلا العبث بدلا من العمل الحقيقي الذي ينتج خبزا وكرامة للناس كل الناس، في زمن تكالبت فيه قوى التطرف من كل حدب وصوب لتربك وتضعف من عزيمتنا ولُحمتنا الوطنية التي تربت عليها أجيال متعاقبة، لم تقارب يوما كل هذا العبث المهزوم ولم تكن تعرف كل هذا التشرذم والتناحر، بل تعرف وطن اسمه البحرين.

ليست هي المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تستهدف فيها قيادات المنبر الديمقراطي التقدمي، وهناك من يعمل بكل ما أوتي من قوة على إدارة حربه وعبثه وغلوائه وغله المكنون وعزلته الموحشة باتجاهنا كلما حان موسم انتخابي أو استحقاق سياسي، مستغلا ما يفرد له من مساحات في المنتديات والمواقع الالكترونية وبعض الصحف والنشرات التي باتت تستجدي من يقرأها فلم تجد ضالتها إلا في ما يوجه ضدنا باستمرار من شتائم وتسقيط وسهام طائشة، علها تجد من بعض ضعاف النفوس ومن يمتهنون توزيع الشتائم والتهويش الممزوج بغياب الضمير الوطني عبر الايميلات والرسائل القصيرة ظنا منهم أنهم بذلك سيغيرون شيئا من الحقيقة التي باتت تقلق أمثال هؤلاء وتقض مضاجعهم، وهانحن راية تطول الشمس وتاريخنا ليس عبثا أو مزايدات، بل هو فعل باتجاه قضايا الناس والوطن، وهو تاريخ عمدته التضحيات وسنوات الجمر يرفض أن يكون محل مساومة وتحت أية مبررات، ويعلم كل من خبرونا وخبروا فعلنا السياسي والنضالي طيلة أكثر من نصف قرن إننا كنا وسنبقى أوفياء لمبادئنا ولقيمنا النضالية ولا نحتاج لشهادة من أحد.

لذلك كله نستطيع أن نفهم بوضوح معنى ومغزى الهجوم الأخير الذي تعرض له الأمين العام للتقدمي الدكتور حسن مدن الشخصية الوطنية البارزة، الذي لم يأت جرما سوى ترشحه للانتخابات النيابية، فهو بشهادة الجميع خير من يمكن أن يتشرف مجلس النواب القادم بوجوده، ونعتقد جازمين أن الإصرار المتكرر على استهدافه هو في واقع الحال استهداف للمنبر التقدمي وتاريخه النضالي وسمعة مناضليه، والذي تعذر على أولئك النفر بكل أسف أن يتعلموا منه شيئا مفيدا يعينهم على تجاوز كل هذا المخزون من العقد بعد أن اجتاحت عقولهم نزوات التسقيط والأنا المتضخمة والنرجسية المفرطة وبعد أن انفض المولد من حولهم، وهو هجوم يستعيد زخمه، كما أسلفنا، كلما حان موعد أو استحقاق انتخابي أو سياسي يكون المنبر التقدمي طرفا مؤثرا فيه.

نعم، نكتب بشيء من القسوة، ليس رغبة في استهداف شخصي لمن نصَّبوا أنفسهم منظّرين وأوصياء على الناس وعقولهم وفوق جميع التيارات والأحزاب، متناسين أن الوطن بات يحتاجنا جميعا دون استثناء، خاصة عندما يمر بمنعطفات خطيرة كالتي تجتاحنا هذه الأيام نتيجة كل ما تأسس قبل الآن من انفلات وإهمال لقضايا الناس والوطن ودوران في المجهول، ونعتقد أن على كل مخلص وحريص يهمه حقا أمر هذا الوطن، أن يتحمل جزءا مسئولية عدم الانجرار أو جر الناس والمجتمع إلى مزيد من التشرذم والانفلات والتسقيط والمناكفات التي لا طائل من ورائها سوى العبث والاستخفاف بوعي وضمائر الناس، وأن يكونوا قيمة مضافة في بناء صرحنا الوطني والالتفات إلى قضايا الناس وأولوياتهم. وثمة أمر آخر نجد لزاما علينا أن نقوله بوضوح أن الاختلاف في الرؤى السياسية لدى من يمتلكون النضج والبصيرة وبعد النظر لا يجب أن يدار أبداً بهكذا عقلية وروحية لا تجد في عدتها سوى آلات التجريح والتخوين والتسقيط والعداء المنهجي والشخصي، وأن الترويج للأفكار بهذه الروح المتهالكة البائسة هو دليل ضعف وخواء، ومدعاة للسخرية ومؤشر انحسار حتى وان وجد هناك من هو مستعد أن يصفق له ربما لهوى في نفسه، فقد تجاوز الزمن أصحاب تلك التوجهات المنفجرة غيظاً وغيرة، وباتوا لا يعرفون للتسامح طريقا، فقط عليهم أن يمعنوا النظر من حولهم فالعالم والناس قد مرّوا بمراحل وتحولات كبرى نستطيع مجتمعين أن نوظفها إيجابا لصالح الناس لو شئنا، ولكن يبدو أنها لم تدرك بعد أصحاب تلك النظرة المتعالية المتضخمة التي لا تملك سوى أرصدة التخوين ومصادرة تاريخ الشرفاء ورفاق الأمس.