المنشور

الأزمة وصراعُ الإقطاعين في مصر(3)

عبّرَ صراعُ الحزبِ الوطني الحاكم والإخوان عن صراعٍ عميقٍ في الطبقةِ الماليةِ الاقتصادية السائدة التي تكونتْ خلالَ العقود الأخيرة في مصر، وعن عدمِ قدرةِ هذه الطبقة على حلِ تناقضاتها الاقتصادية والسياسية والايديولوجية، والقيام بالتوحد وتشكيل نظام رأسمالي ديمقراطي علماني.
المصدران الرئيسيان اللذان كونا الرأسمالَ العامَ والرأسمالَ الخاصَ جاءا من السرقةِ السياسية أو من السرقةِ الدينيةِ الاقتصادية، ولم ينشآ بشكلين (طبيعيين)، أي من خلالِ بناء المصانع وتحويل الفلاحين والنساء إلى عمال. إن كل رأسماليةٍ وليدة تحتاجُ إلى فترةِ تراكمٍ بدائي، تتسمُ بالاستغلال العنيف الفاحش، وقد طالتْ فترةُ التراكم المحاصرة كذلك بالهجوم الرأسمالي العالمي وبالجذور الإقطاعية العميقة.
لقد عرفنا كيف هيمنَ الضباطُ الأحرارُ على الملكية العامة، وتكونتْ رأسماليةُ الحزب الوطني التي هي ذروةُ ذلك الفساد السياسي، وقطعتْ تراكمات الوطنية والديمقراطية:
(يؤكد الدكتور جمال زهران عضو مجلس الشعب وأستاذ السياسة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة قناة السويس أن الحكومة هي التي تحمي المفسدين، مشيراً إلى أنه تقدمَ وبعض النواب بمشروع قانون الحقوق السياسية لكي يكون هناك نوع من المشاركة من جهة، ومن إحكام السيطرة على النواب من جهة أخرى، ولكن الأغلبية تُجهض أي قانون تتقدم به المعارضة خصوصاً في ظل الضعف العام والتشرذم الذي تعانيه)، شبكة الإعلام العربية، أغسطس 2010).
(رصدتْ مجلةُ الإيكونومست الإنجليزية مظاهرَ الفقر والبطالة والتعسف الأمني والتناقض في مستويات المعيشة، ومظاهر الفساد الناتج عن تزاوج المال والسلطة في مصر، وهو المناخ الذي سمحَ بظهور من تسميهم المجلة بالانتهازيين داخل الحزب الوطني الحاكم، حتى إن نوابَ البرلمان صار هدفهم الحصول على الحصانة للاستفادةِ من امتيازاتها، وليس للتعبيرِ عن هموم الناس، وعن الطوارئ قالت المجلة، لم يُستخدم ضد الإرهاب والمخدرات مثلما تزعم الحكومة).
ومن جهةٍ أخرى تكونتْ ماليةُ الاخوان وخطابهم السياسي عبر الإقامة في السعودية، فجاءوا بأموالٍ وبأحكامٍ فقهية من المجتمع السلفي، الذي يشكلُ الإسلامَ عبرَ نصوصيةٍ، وكونوا أكبر قوةٍ مُنظمةٍ للرأسماليةِ الخاصة في مصر، وأدلجوا الفقهَ الإسلامي لتوسيعِ رأسمالِهم الخاص:
(ظهر هذا في موجة توظيف الأموال وما صاحبها من(المصارف الاسلامية) و(البنوك الاسلامية) وتجريم وتحريم التعامل مع البنوك العادية لأنها بنوك ربوية، ولابد من هجرها والتوجه لتوظيف الأموال والبنوك الاسلامية. وفي أواخر وأوائل التسعينيات اشتهرت شركات كثيرة في توظيف الأموال منها الشريف والريان وسعد. وظهرَ كبارُ الدعاة يروجون لها، أهمهم الشيخ الشعراوي والدكتور عبدالصبور شاهين، ومعهم كبار الصحفيين وأجهزة الاعلام، وفي الخفاء كان يؤيدهم كبار السياسيين مثل رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب، ووزراء ووكلاء وزارات. ومن الطبيعي أن يتسابق المصريون على إعطاء(شقى العمر) الى تلك الشركات، بسبب كل هذا الألق الاعلامي وهوجة الربح المضاعف والطمع الذي أضاع قيمة القناعة عند المصريين.)،(أحمد صبحي منصور).
تنامتْ التناقضاتُ الحادةُ بين أجنحة الطبقة السائدة، المختلفة التركيب، والأهم فيها والأقوى هو الذي يرضعُ من (أثداءِ) الدولة الوفيرة المال، والقريب من المدينة، والثاني الذي يرضع من الدين، ويقارب البداوة والريف، وقادر على حشد الجمهور المتدين الواسع بسبب هذا، وهذا نتاج رأسمالية غير تصنيعية بدرجة كبيرة وتحديثية، وذات أشكال مالية وعقارية أكبر.
إن الرأسماليةَ المصرية ككلِ الرأسمالياتِ الشرقية الدينية نشأت من أشكالِ الإقطاع في الأرضِ والسلطة، واندفعتْ للأرباح السريعة في العقار والبنوك، وفي العهد الثوري كونتْ بعضَ الأسس الصناعية الكبرى، وتخلت عن ذلك في عهد رأسمالية الانفتاح، التي تداخلت بتوسع مع الرأسماليات العالمية والفوضى وتهريب الأموال والفساد وترحيل العمالة وتكوين أزمات حادة في الاسكان والصحة الخ.
وتفاقمتْ أزمةُ هذه الرأسمالية المتخلفة المركبة خاصة في السنوات الأخيرة مع الأزمة المالية العالمية، وحسب معلومات البنك الدولي فقد انخفضَ معدلُ النمو بسببِ انخفاض تحويلات المصريين بالخارج ثلاثة وعشرين ونصف بالمائة وانخفض دخل قناة السويس والضرائب وانخفض معدل النمو من خمسة وعشرين بالمائة الى خمسة بالمائة بالنسبة إلى قطاع العقارات، كما واصل الفساد الحكومي أعماله:
(ومن افتضاح عقود الإذعان والبيع لأراضي مصر وثرواتها العقاريه(عقد مدينتي وتوشكي وجزيرة أمون وأرض التحرير وبيع مساحات واسعة من الأراضي في الاحياء القديمة والفقيرة عبر الاخلاء القسري من سكانها لشركات استثمارية عربية وأجنبية) إلى الكوارث التي نتجت عن الخصخصة وبيع المصانع والشركات لمجموعة من المغامرين (عمر أفندي وطنطا للكتان والمراجل البخارية وغيرها) وعمليات الفساد التي صاحبتها حيث تحتل مصر المركز الـ 111 في الشفافية والنزاهة من 180 دولة)، بيانٌ للحزب الشيوعي المصري.
إنها رأسماليةٌ متخلفة غيرُ قادرةٍ على نشرِ التصنيع والثورة التقنية، وتلاحق الأرباح السهلة السريعة، في شكليها الحكومي والديني المعارض، وبالتالي لا تستطيع تطوير القوى الشعبية وتثوير عملها وعلاقاتها الاجتماعية ومستواها الثقافي فينعكسُ ذلك سياسياً بمقولات الدولة الدينية الشمولية بجناحيها.
هذه الأزمة الطاحنة أدت إلى ظهورِ قوى جديدةٍ تحديثيةٍ مختلفة عن العقود السابقة.

صحيفة اخبار الخليج
29 اغسطس 2010