المنشور

بين «البيت الشيعي» و«الشارع السني»!

من المفردات والتعابير البغيضة التي صارت تتكرر في الأحاديث وأحياناً حتى في بعض الكتابات، تلك التعابير التي لا يمكن إلا أن تثير في نفوسنا الاستهجان. من ذلك تلك مفردات تتحدث منذ فترة عما أطلق عليه «البيت الشيعي»، وهو مفهوم مأخوذ من سياق آخر غير السياق البحريني ويراد به تكريس مفهوم طائفي ومذهبي بغيض، ومؤخراً ازداد الحديث عما يوصف بالشارع السني.
مشكلة هذا النوع من الترويج أنه يستند على أسس غير وطنية، ولا نعني بذلك أن من هم وراءها غير وطنيين بالمعنى المباشر للكلمة، وإنما بمعنى أنه بدلاً من تكريس مفهوم المواطنة والانتماء للوطن بصرف النظرعن الانحدارات الاجتماعية والاثنية والمذهبية لأبنائه، يجري تسويق مصطلحات تنضح بالنفس الطائفي، لأنك عندما تتحدث عن «بيت شيعي» فذاك يعني أنه يجب أن يكون هناك «بيت سني» بالمقابل، وأن البيتين يقعان على طرفي نقيض، ومهمة كل واحد منهما مواجهة الآخر.
والأمر نفسه يمكن أن يقال عن مفهوم «الشارع السني» لأنه مؤسس على أن هناك شارعاً آخر هو الشارع الشيعي، وأن الشارعين وجدا ليتقابلا لا ليلتقيا ويشكلا مساراً وطنياً واحداً، وهو أمر له أُسسه الموضوعية الراسخة، فهو أولاً يستند إلى تاريخ من التداخل الاجتماعي ومن الكفاح الوطني المشترك ضد الاستعمار وفي سبيل الحرية والديمقراطية، وهو إلى ذلك شرط لا بد منه في ظروف اليوم، حيث يتعين بلورة خطاب وطني واحد متجاوز للطوائف، يتضمن القواسم المشتركة الكثيرة بين أبناء الشعب الواحد الذين يواجهون قضايا واحدة على الأصعدة المعيشية والاجتماعية، وكذلك في مجال العمل على توطيد مسار التحول الديمقراطي في البلاد وفي المجتمع.
على أن من يظن أن الأمر سيقف عند حدود إطلاق بالونات الاختبار مخطئ لأن من شأن مثل هذه الترويجات أن تخلق مقدمات لمناخ الفتنة وتفتعل خلافات غير قائمة أو تعمق من شرخ ما هو قائم منها، وتخلق أجندة وآلية غير سويتين للحراك الاجتماعي – السياسي بدلاً من تجري بلورة خطاب وطني عام حول الحقوق الدستورية والسياسية ومن أجل النهوض بالأوضاع المعيشية للناس وتوفير مستلزمات التنمية المستدامة.
البلد مقبلة على استحقاقات انتخابية قريبة، ولا تبدو الكثير من البالونات التي تطلق في هذه الفترة بعيدة عن التهيئة لمثل هذه الاستحقاقات من قبل البعض الذي يعجز عن تقديم الخطاب الوطني المعبر عن مصالح الوطن برمته، فيلجأ إلى مثل هذا النوع من التهويمات حول بيت شيعي تارة وشارع سني تارة أخرى، وربما تطالعنا هذه الأيام أو الأسابيع المقبلة تهويمات أخرى مشابهة.
ويبدو ملحاً أن تتضافر جهود القوى الحديثة في المجتمع للتأكيد على أهمية البديل الوطني الذي لا يتحصن خلف طائفة أو مذهب، وإنما يخاطب المجتمع برمته ببرنامج يعبر عن المصالح العليا لهذا الوطن، ويرفض كافة أشكال التمييز والمحاباة، ويؤسس لمجتمع قائم على مبادئ العدالة والمساواة يكون فيه لجميع أبنائه ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات.
إن غياب مثل هذا البديل الديمقراطي القوي والمستقل فعلاً نظراً لتشتت صفوف القوى التي تمثله خلق فراغاً مدوياً صارت تتردد فيه أصداء الدعوات الطائفية على أنواعها.
 
صحيفة الايام
28 اغسطس 2010