المنشور

مفهوم الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة (1- 5)


تلعب الرقابة السياسية  أو كما يطلق عليها ( الرقابة الشعبية ) على أعمال الحكومة دورا هاما في  محاسبة السلطة التنفيذية، ويقصد بها الرقابة التي يمارسها المجتمع عن طريق مؤسسات المجتمع المدني وعلى وجه خاص التنظيمات الشعبية اي مراقبة المواطن للنشاط الحكومي داخل الدولة، أو عن طريق الهيئة البرلمانية بالوسائل التي نص عليها الدستور .

 والرقابة البرلمانية هي جوهر الرقابة السياسية، فالبرلمان  كما يقول فقهاء القانون العام هو قبل كل شيء جمعية مراقبين، ومهمته الأولى – وربما الأكثر أهمية من التصويت على القوانين – هي مراقبة الحكومة عن طريق الأسئلة والاستجوابات وسحب الثقة، وتشكيل لجان ومناقشة الميزانية وإجبارها على تبرير تصرفاتها وقراراتها  أمام الناس، وحيث أن هذه الرقابة تتطلب النشر، فإنها تشكل ضمانة لحقوق الأفراد وتكفل حرياتهم ضد تصرفات الحكومة ومؤسساتها .(1).
 
  وإذا كانت الرقابة البرلمانية بهذا المعنى، فما هو مداها في دستور مملكة البحرين لعام 2002؟ و كيف تم استخدامها من قبل أعضاء مجلس النواب في الواقع العملي ؟
 تتمثل الرقابة البرلمانية التي يمارسها مجلس النواب في مملكة  البحرين شأنه شأن الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني بمساءلة الوزراء عن كافة التصرفات التي تصدر عن وزارات الدولة والمصالح التابعة لها ، وقد وضع الدستور الجديد تحت تصرف مجلس النواب دون مجلس الشورى وسائل عدة يستطيع بواسطتها مراقبة السلطة التنفيذية وهذه الوسائل تتفاوت من حيث القوة والخطورة من مجرد إبداء الرغبات للحكومة أو توجيه الأسئلة للوزراء ، أو تأليف لجان تحقيق ، حتى تصل في خطورتها إلى استجواب الوزير وطرح الثقة به وإجباره على الاستقالة .   

 كما تتمثل هذه الرقابة في قيام مجلس النواب بفحص واعتماد مشروع الميزانية العامة، والتصديق على الحساب الختامي للإدارة المالية للدولة، وفي موافقة المجلس على مصروفات غير واردة في الميزانية أو زائدة على التقديرات الواردة فيها.

وقد اقر دستور مملكة البحرين 2002 شانه في ذلك شأن دستور1973 مبدأ إخضاع أعمال الحكومة للرقابة البرلمانية، إلا أن دستور 2002 رغم انه  قد انتقص من وسائل هذه الرقابة بان ألغى بعضها، وقلص من صلاحيات بعضها الآخر، إلا أن هذه الوسائل ظلت في هذا الدستور أدوات هامة بيد أعضاء مجلس النواب لمراقبة الحكومة متى ما استخدمت استخداماً فعالا ، ومتى ما ألغيت القيود التي وضعتها اللائحة الداخلية عليها، ومتى ما وجد النائب الذي يتقن استعمالها .(2).
    غير أن هذه الرقابة لا تسمح للبرلمان بالتدخل مباشرة في أعمال الحكومة إذ هو لا يملك عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات أن يصدر للحكومة الأوامر الملزمة في شأن القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من اختصاصها، وليس له أن يلغي أو يعدل قراراً اتخذته.
 
    والرقابة البرلمانية الناجحة تشترط أمرين:

الأول يتعلق بالمجالس النيابية نفسها، إذ يفترض أن تتحقق فيها “…السلطة والقدرة والرغبة في مراقبة السلطة التنفيذية.” وتتحدد السلطة الكافية للمجلس النيابي للاضطلاع بدور الرقابة عادة من خلال الإطار القانوني أي في الدساتير والأنظمة أو اللوائح الداخلية التي تنظم عمله وصلته بالسلطة التشريعية.
أما قدرة المجلس على ممارسة دور الرقابة فلا تحددها القوانين المجردة بل الإمكانات المادية والبشرية الملموسة التي توضع تحت تصرف النواب للقيام بالمراقبة. والغرض الرئيسي من تأمين هذه الإمكانات هو السماح للمجلس وللنواب بالحصول على اكبر قدر من المعلومات حول أداء السلطة التنفيذية إذ انه بدون هذه المعلومات يستحيل على النائب/ المراقب القيام بمهمته.

 وقد يتوفر للمجلس الإطار القانوني للاضطلاع بمهام الرقابة، وكذلك الإمكانات المادية والبشرية التي تيسر له، من الناحية النظرية، تنفيذها، ولكن دون ان يكون لدى المجلس ونوابه الرغبة او الإرادة الكافية لممارسة هذا الدور، ذلك ان هذه الرغبة تتأثر بالأجواء السائدة في البلاد أي خارج نطاق العمل البرلماني .



الشرط الثاني
يتعلق بالظروف العامة التي تعمل فيها المجالس النيابية، ذلك ان جهوزية المجلس النيابي للقيام بدوره الرقابي تتأثر بعوامل موجودة خارجه، منها نوع الثقافة السياسية السائدة في البلاد، وتوفر الثقافة السياسية المناخ أو الخلفية الفكرية التي تتكون فيها نظرة المواطن إلى مجلس النواب ومدى استعداده للتعاون معه، كذلك تؤثر الثقافة السياسية على نظرة الموطن إلى الانتخابات كوسيلة من وسائل المشاركة في العمل البرلماني، والى الأحزاب التي تلعب دورا مهما في تكييف الحياة البرلمانية.

 ومن العوامل المؤثرة في جهوزية البرلمانات للقيام بالرقابة على الحكومات أيضا الأوضاع السياسية الفعلية التي تعيشها البلاد من ناحية التطور الديمقراطي. فلا ريب ان قيام تعددية سياسية حقيقية تنعكس على واقع المجلس تعزز دوره الرقابي، فالتكتلات البرلمانية الحزبية أكثر قدرة من النواب الأفراد على مراقبة الأداء الحكومي وعلى الحصول على المعلومات الضرورية للاضطلاع بهذه المهمة، كما ان تحقيق مبدأ تداول السلطة يعزز ميل نواب المجلس، خاصة من المستقلين والمعارضين، على القيام بالدور الرقابي. ويلعب الأعلام الحي والمستقل دورا مهما في تشجيع النواب على الاضطلاع بالدور الرقابي، وفي إمدادهم أحيانا بالمعلومات التي يستفيدون منها في عملية الرقابة. (3).

وسوف نتناول في الأعداد القادمة وسائل الرقابة البرلمانية طبقا لما نص عليه الدستور واللائحة الداخلية لمجلس النواب على ضوء تجربة الفصلين التشريعين المنصرمين .
 
المراجع :
1-    د .عثمان عبد الملك الصالح في الرقابة البرلمانية على أعمال الإدارة في الكويت ، مجلة الحقوق والشريعة  – جامعة الكويت – العدد الرابع السنة الخامسة ديسمبر 1981.
2-    دستور مملكة البحرين 2002 .
3-   د. رغيد الصلح – الدور الرقابي للمجالس النيابية العربية .