المنشور

عابرو الطوائف

الطائفية في معناها المزدوج، أي في تعبيرها عن مجتمع متعدد الطوائف، أو ثنائي التكوين الطائفي كما هو حال مجتمع البحرين، وفي كونها ساحة من الحساسيات وحتى الاحتكاكات بين أبناء هذه الطوائف لم تنشأ اليوم، وإنما هي موروث عمره قرون من الزمن، وهذا الموروث يمتلك كل أسباب استمراره المترسخة في التكوين الاجتماعي للبلد وفي أشكال الوعي التي لن يصار إلى إلغائها بجرة قلم أو برغبة.
ومن حيث المبدأ يجب علينا ألا نتعاطى مع هذه المسالة من زاوية الرغبات أو النوايا الحسنة فلن نصحو في صباح الغد أو الصباح الذي يليه ونرى المجتمع وقد تحررمن تكوينه الطائفي، أعني من كونه مبنيا على ثنائية أو تعددية مذهبية لا مناص من الإقرار بها والتعايش معها بصفتها صفة ملازمة للمجتمع الذي نحياه حتى يكتب الله أمرا كان مفعولا.
بهذا المعنى ليست البحرين حالة شاذة بين المجتمعات العربية – الإسلامية، ولا هي حالة غريبة عن بقية المجتمعات في العالم المعروفة بتعدد الأجناس والأعراق والطوائف والمذاهب التي يعيش أصحابها على أراضي هذه البلدان ويكونون بالتالي مجتمعا واحدا أو مشتركا، تجمعهم، وفي أحيان كثيرة، تكاد تصهرهم مشتركات عديدة قوية لا يعيقها التنوع أو التعدد القومي والطائفي.
وأشرنا غير مرة إلى أن المجتمعات متعددة أو متنوعة التكوينات يمكن أن تكون أكثر حيوية وثراء ثقافيا واجتماعيا بالقياس للمجتمعات أحادية التكوين، لأن التنوع يعني إضفاء الجدل والحوار والتفاعل الخلاق بين المكونات المختلفة، ويعني أيضاً تعدد الروافد الثقافية والتاريخية التي تضفي الحيوية المشار عليها، وأعتقد إن وضع البحرين بالقياس إلى محيطها الخليجي يعطي مثلا جيدا على ما نذهب إليه.
لكن المسألة الطائفية في مجتمعنا، كما هي في المجتمعات العربية – الإسلامية على درجة كبيرة من التعقيد بحيث يغدو معها حديثنا أعلاه بمثابة النشيد الرومانسي الذي يغفل التجليات السلبية الكثيرة للطائفية، حين تصبح أداة موظفة توظيفا سياسياً، يحتمل الكثير من أوجه الإقصاء، التي ليس في متناول قوة أخرى غير الدولة أن تعالجها إن هي أرادت تجنيب المجتمع مخاطر الفتنة، عبر توكيد فكرة المواطنة التامة، القائمة على تكافؤ الفرص والمساواة في الحقوق والواجبات، مما يعمق من فكرة الانتماء الوطني ويعززها، ويضعف بالتالي من حدة التعصب الطائفي، الذي ينشط كلما ضعفت آليات الدمج الوطني التي تعزز المشتركات على حساب عوامل الفرقة أو التنافر.
افرز تطور المجتمع البحريني الحديث انبثاق وتوطد مكانة قوى وشرائح قوية التأثير أفلحت في التحرر من الأسر الطائفي، وغدت عن حق قوى عابرة للطوائف، وتمثل تيارات الحركة الوطنية بمختلف ميولها اليسارية والقومية العمود الفقري لهذه الشرائح، لأنها عززت من طابعها غير الطائفي وغير العرقي في معارك النضال الوطني والطبقي من أجل الأهداف المشتركة للفئات الشعبية الكادحة.
وقدمت هذه القوى للمجتمع قيادات من الوزن الثقيل، بدءا من أبرز قادة حركة هيئة الاتحاد الوطني: عبد الرحمن الباكر وعبدالعزيز الشملان والعليوات وبقية رفاقهم، وعلى خطى هؤلاء سار احمد الذوادي وعبدالرحمن النعيمي وأحمد الشملان وبقية رفاقهم من رموز وقادة الحركة الوطنية في البحرين.
 
صحيفة الايام
24 اغسطس 2010