المنشور

الطائفية لا تبني وطناً!!

ونحن نقترب حثيثا من موعد الانتخابات النيابية والبلدية في أكتوبر القادم، أي بعد شهرين من الآن، حيث الاستعدادات ستكون على أشدها من قبل الجمعيات السياسية وكذلك المترشحين المستقلين. موسم الانتخابات هذا الذي نحاول جاهدين أن نسميه عرسا انتخابيا هل هو كذلك بالفعل بالنسبة للبعض؟! أم مجرد موعد يحين كل أربع سنوات تتجدد معه دعوات الطائفية والتنافر والشحن غير المسؤول الذي ينم في كثير من وجوهه عن عدم قدرة أولئك البعض على التعاطي بحضارية وحس وطني مع واقع المستجدات السياسية والاجتماعية وتوظيفها بما يخدم مسيرة التنمية بكامل وجوهها، فمنذ متى كان التنافس الانتخابي موعدا لنشر الغسيل، أو مواقيت للتسقيط والتشهير والتعريض والتخوين والشتيمة بين بعض الأطراف المتنافسة. نعم موسم الانتخابات هذا يجب أن يكون عرسا وموسما للفرح الغامر وربما أكثر، حيث يفترض أن تزهو البحرين معه كلما تجدد كل أربع سنوات، فمنذ تدشين مشروع الإصلاح منذ أكثر من عشر سنوات مضت، وتحديدا بعد التصديق على ميثاق العمل الوطني، الذي كان بمثابة النقلة النوعية الكبرى في تاريخ البحرين الحديث، ظلت أفئدة أهل البحرين شاخصة باتجاه مواسمها المنتظرة لإعادة تجديد عهدها بالتمسك بتلابيب الفرح الذي يصر بكل أسف أن يكون منقوصا، لدوافع عدة لا شك أن الجميع يتحمل جزءا من مسؤوليته تجاهها، وإن كانت جهات بعينها تتحمل الجزء الأكبر فيها، وعلى السلطة الدور الأكبر في معالجة هكذا وضع، وللتيارات السياسية أدوار لا يمكن إغفالها وللناس في زمن الانفتاح والإصلاح ادوار هي الأخرى، عليها أن تتكامل فيما بينها حتى نستطيع أن نشيد وطنا حلمنا به وسنظل، وطن جامع حاضن لكل هذا التنوع الذي هو عنوان غنى وثراء.
فها هي الانتخابات النيابية والبلدية وحملات المترشحين قد بدأت على ارض الواقع حتى قبل أن يحين موعدها الرسمي، والجميع من جمعيات وتيارات سياسية ومؤسسات مجتمع مدني وشخصيات وطنية وأفراد وحكومة وجماهير بدأت تعد العدة، كل من موقعه يسعى لتحقيق نجاحات يتبوأ فيها موقعا أثيرا في مواقع القرار بالرغم من كل ما نحمله ويحمله الآخرون من مآخذ على التجربة في مختلف وجوهها، إلا أن زحمة المواقف وتباعدها والتقاء الرؤى وتشرذمها والاصطفافات القديمة والجديدة وما سينتج عنها، تكاد جميعها أن تتبوأ موقع الأولوية حيث لا حديث إلا حديث الانتخابات والمترشحين والتحالفات وما يرتبط بها. تلك إذا مظاهر تستحق أن تكون عناوين مشروعة للفرح الذي علينا أن نتيقن حقيقة انه كذلك، ولكننا حين نخضع ذلك للواقع ربما نصاب بغصة لا يمكن أن توصف، فحالات التشرذم والتباعد بين مختلف القوى لا تكاد تترك لنا متسعا من الوقت أحيانا حتى لالتقاط الأنفاس أو حتى مجرد التمعن في سبر أغوار واقعنا الجديد، وفي ظل حالة الانكفاء المتوقعة لدى أوساط واسعة من الجماهير غير المقتنعة بما قدمته التجربة البرلمانية حتى الآن من نجاحات، والتي عززتها مواقف الكتل البرلمانية المتصدرة لعناوين وتجليات المشهد وما أفرزته أو كشفت عنه من حالة خذلان للشارع الذي راهن كثيرا على تلك القوى.
مع هكذا وضع، حري بنا إذا أن نتأمل جيدا حالة مشهدنا الراهن وما أسست له تلك الكتل والقوى المتصارعة من انقسامات حادة نجدها قد انعكست على شكل لغة غريبة ومزاج أغرب لدى رجل الشارع العادي وحتى لدى من يفترض أن يعوا قبل غيرهم سوداوية المشهد ومآلاته القادمة، فهو حتما لا يمت للبحرين وشعبها بصلة، فشعبنا الذي كان متسامحا ومنسجما حتى في أحلك الظروف والمنعرجات التاريخية، بات بكل أسف تحت رحمة قوى كنا نسميها يوما بالطارئة، لكنها لم تعد كذلك وقد ترسخت بصماتها المشينة في تربة بلادنا، وهي الممتلئة حد التخمة بكل مقومات القوة والجاه والمال والهيمنة باسم الدين والمذاهب والعمل الخيري. فقد ميزتنا على الدوام لحمة وطنية تعايشنا معها وانصهرنا معها أيما انصهار دون أن تتباعد خطانا أو ترتعد يوما خوفا على البحرين ومستقبلها كما ترتعد اليوم ونحن مقدمون على فصل جديد سنبدأه بموسم انتخابي سيفضي بنا للولوج إلى فصل تشريعي جديد وواقع اجتماعي وأمني واقتصادي لم يعد مثاليا بالمرة.
مع هكذا وضع ملتبس، بل ومشوه، هل لنا أن نذعن لشيء من العقل والحكمة والتواضع الممزوج بمحبة هذه الأرض وشعبها؟! لنؤسس معا لحالة جديدة تُخرج هذا الوطن من حرقة الأسئلة وحالة انعدام الثقة والخوف التي تؤسس لها الآن تلك القوى التي تتمادى فيه تمزيقا وطأفنة، وعلى الذين يسبحون منتشين في هذا البحر الآسن المليء بالطائفية أن يتوقفوا ولو قليلا ليتساءلوا معنا بمشروعية… هل يمكن للطائفية أن تبني وطنا؟!

صحيفة الايام
18 اغسطس 2010