المنشور

هل بمقدور أوباما اجتثاث العنصرية في بلاده؟ (1)

الديمقراطية الأمريكية ــ كما هو معلوم ــ هي من أقدم الديمقراطيات الغربية ومن أكثرها فيما يشوبها من عيوب جوهرية إن لم تكن هي الأكثر في ذلك على الاطلاق. وكان واحدا من أبرز هذه العيوب التي استمرت طويلا غياب المساواة في الحقوق المدنية بين مكونات الشعب العرقية وعلى وجه الخصوص بين البيض والسود أحفاد العبيد الذين تم أسرهم واسترقاقهم في القارة الافريقية ومن ثم شحنهم للبيع في الولايات المتحدة قبل استقلالها عن التاج البريطاني.
فعلى الرغم من انهاء العبودية وحظرها في البلاد في أعقاب الاستقلال، فإن الزنوج الامريكيين ظلوا محرومين من الاستمتاع بكامل حقوقهم المدنية، كما ظلوا يعانون سياسات التمييز العنصري في المجتمع والدولة عقودا طويلة حتى بعد اعلان الرئيس ابراهام لنكولن تحرير العبيد في ستينيات القرن الـ 19م. ومازال الحال مستمرا الى يومنا هذا بأشكال متعددة في الممارسة العملية حتى بعد تصديق الرئيس جونسون عام 1964م على قانون الحقوق المدنية الذي يحظر ممارسة التمييز العنصري على أساس اللون أو العرق وهو القانون الذي لم يأت إلا بفضل ضغط النضال العارم الذي خاضه السود وزعماء الحقوق المدنية خلال الخمسينيات واوائل الستينيات.
ان الممارسات العنصرية في المجتمع والدولة تجاه السود غير مقطوعة الصلة عن ثقافة وسياسة الطبقة الحاكمة في رأس هرم النظام الامريكي التي كما نعلم جلها من البيض الانجلوسكسون، فهذه الطبقة لم تتخل البتة عن نزعتي الكراهية والاحتقار اللتين تكنهما تجاه السود، وحيث ظلت تتوارث هاتين النزعتين عن أجدادها الاوائل كتوارث الجينات جيلا بعد جيل طوال ما يقرب من قرن ونصف القرن على اعلان لنكولن تحرير العبيد من الاسترقاق بصرف النظر عن الحزب الحاكم.
وفي العشرين سنة الماضية، أي منذ سقوط الاتحاد السوفيتي وهيمنة أمريكا على النظام الدولي بعد انتهاء النظام الدولي الثنائي القطبية وتزايد تشدقها بنشر الديمقراطية في العالم وحماية حقوق الانسان حاولت الولايات المتحدة ان تخفي وجهها العنصري القبيح من خلال اضفاء لمسات شكلية لعلها تدلل على تسامح وعدم عنصرية الطبقة الحاكمة وذلك من خلال السماح بايصال أو وصول بعض الوجوه السوداء الى الادارة الامريكية ومن ذلك تعيين كولن باول وزيرا للدفاع في ادارة الرئيس الجمهوري بوش الابن ثم تعيين كونداليزا رايس خلال ولايته الثانية في منصب وزير الخارجية.
لكن الطبقة الحاكمة قطعت شوطا أكبر في ممارسة اللعبة والسياسة الديماغوجية، فلئن كان الحزب الجمهوري بز غريمه الحزب الديمقراطي الشريك معه في تمثيل الطبقة الحاكمة بتعيين وزيرين من أصل افريقي في الادارة الامريكية، فان هذا الاخير ــ الحزب الديمقراطي – أراد ان يثبت انه يستطيع ان يتفوق عليه بمنافسته في الانتخابات الرئاسية الاخيرة بمرشح أسود ممثلا في الرئيس باراك أوباما وهذا ما حدث.
وهكذا أفرز فوز أوباما في الانتخابات الامريكية وهما داخليا وخارجيا واسع النطاق لدى التواقين إلى إحداث نقلة مهمة معقولة للتغيير السياسي والاجتماعي نحو الافضل وذلك بعد السنوات الثماني العجاف من حكم اليمين الجمهوري المتطرف، ورأى فيه كثيرون انه مؤشر على انتفاء وتقلص النزعة العنصرية داخل الولايات المتحدة مجتمعا ودولة، وتوسم البعض الآخر في الرئيس الجديد بأن يكون رسولا جديدا لنصرة السود والدفاع عن حقوقهم ومصالحهم وحقوق ومصالح عامة الطبقات الشعبية والفقيرة. أما على الصعيد الخارجي، ولاسيما في عالمنا العربي فقد داعبتهم آمال وأحلام التغيير متعشمين في ذلك من أصله العرقي المنحدر من افريقيا والانبهار بخطاباته ووعوده السياسية التي أطلقها نحو العرب بعد شهور قليلة من وصوله الى البيت الابيض وخاصة خطابه في جامعة القاهرة العام الماضي.
لكن هل تنتفي النزعات والممارسات العنصرية في المجتمع والدولة لمجرد وصول رجل أسمر الى سدة الحكم في البيت الابيض؟ وهل يملك هذا الرجل حقا القدرة والتفويض الكاملين لاستئصال النزعات والممارسات العنصرية في الولايات المتحدة بطولها وعرضها؟
وبعبارة أدق للسؤال: هل يملك الرئيس أوباما ارادة حقيقية ورغبة جادة لتحقيق أكبر قدر ممكن من اجتثاث السياسات والممارسات العنصرية داخل بلاده ويقف على الضد من ارادة ورغبة الطبقة البيضاء المدين لها في وصوله الى الحكم وما يمثلها في قمة الهرم من مؤسسات وجماعات ضغط؟
 
صحيفة اخبار الخليج
17 اغسطس 2010