المنشور

لا تعدوا الناس بالمن والسلوى!

القارئ للأحاديث الانتخابية المفعمة بالوعود التي تكاد الأرض تهتز من ثقلها، يحسب أن بعض المترشحين، فيما لو قدر لهم الوصول إلى المجلس النيابي، سيقلبون الأرض عاليها سافلها، ولا ينجو بعض مترشحي المعارضة من هذا الداء، الذين يبالغون في إزجاء الوعود للناخبين، ويكادون يغفلون عن التعقيدات الكثيرة في آليات عمل المجلس المنتخب التي كانت محط انتقادهم خلال السنوات الماضية المنصرمة من عمر الحياة النيابية.
لاشك أننا نتفهم إننا في حملة انتخابية، ونتفهم كذلك حاجة المترشحين إلى مخاطبة الناخبين بالبرامج والشعارات الجذابة التي يمكن أن تدفع هؤلاء الناخبين للتصويت لهم، ولكن من الضروري أن ننبه إلى مخاطر زرع الأوهام في أذهان الناس، وان ندعو الناس إلى عدم الانسياق وراء هذه الأوهام، لكي لا ينصدموا بعد حين لن يطول حين يجدون من استوى إلى مقاعد المجلس أعجز من أن ينفذ شيئا من الذي وعد به في حملته الانتخابية.
على الناخب أن يثق أكثر في المترشح الذي يقول له إن المجلس القادم بحاجة لمترشحين أكفاء يدركون صعوبات وتعقيدات العمل البرلماني، ويقولون هذا بوضوح للناخب، ويوضحون له أكثر أن وجودهم في هذا المجلس سيكون عاملاً مساعداً في السعي للتغلب على هذه الصعوبات، ومهمتنا اليوم تبرز في التأكيد على معيار الكفاءة والانحياز الوطني في اختيار من يجب أن يمثلنا في المجلس القادم.
في كلمات أخرى، علينا أن نثق أكثر في المترشح المفعم بروح المسؤولية بحيث يكون صادقاً مع أبناء دائرته في تبيان الحدود التي بوسعه التحرك فيها، لا ذلك المترشح الذي يحسب أنه كلما أكثر من الوعود صدقته الناس فيروح يبالغ فيها، دون التبصر في حقيقة أن الكثير من هذه الوعود غير ممكن من الناحية العملية.
نريد نواباً أقوياء من أصحاب الكفاءات الذين يفهمون في الاقتصاد وفي أمور الميزانية، نريد نوابا محامين وقانونيين، نريد نوابا هم في الآن ذاته قادة سياسيون عرفوا بإخلاصهم للوطن وتفانيهم في العمل من أجل سعادة شعب البحرين وحريته.
ولأننا ابتلينا في السنوات الماضية بمجلس تحول إلى عامل فرقة طائفية وأداة تباعد بين مكونات المجتمع، بدل أن يكونوا جسراً واصلاً بين هذه المكونات، فان الحاجة اليوم باتت أكثر نضوجاً إلى نواب يجسدون في الوعي وفي السلوك روح الوحدة الوطنية، بأن يكونوا دعاة جادين لها وعاملين مخلصين في سبيلها.
مثل هؤلاء النواب الأقوياء لا يُمنون الناس بالمن والسلوى وليسوا في حاجة إلى إزجاء الوعود الفارغة ولا إلى تقديم رشاوى المال السياسي للناخبين، ولا إلى أن يمنحوا أنفسهم صفة الواعظ الذي يكفر من يشاء لأنه يختلف معه في الموقفين السياسي والاجتماعي، وهؤلاء النواب بالذات هم من يعلم الناخبين أن النجاحات تتحقق بالتكامل بين العمل البرلماني والعمل الجماهيري، لأن نشاط النواب وحده بدون سند ودعم شعبيين لن يكون فعالاً.
 
صحيفة الايام
11 اغسطس 2010