المنشور

يحدث هذا في عز الأزمة

في المقالين السابقين حدثتكم مرة عن بيل غيتس، مدير شركة مايكروسوفت كأحد أهم أعضاء نادي بلدربيرغ – وهي الجماعة التي تقف خلف ما يسمى بـ «الحكومة العالمية» وتسعى إلى تسيير أحداث العالم من وراء ستار، وأخرى عن وارن بافيت، رئيس شركة Berkshire Hathaway الاستثمارية المالية الكبرى – كأحد أهم المسئولين عن مبالغات شركة Mody»s في تصنيف عشرات الآلاف من الشركات على غير حقيقتها قبل انفجار الأزمة المالية العالمية.
اليوم سنعود إلى هذين الشخصين من واقع آخر، يعكس غرابة ما يدور في النظام الاقتصادي العالمي، بل ونظام القيم الإنسانية القائم والعصي على الفهم.
خلال العام الماضي أجرى بافيت وغيتس وزوجته عددا كبيرا من اللقاءات مع مليارديريين أميركيين بهدف اجتذابهما للمشاركة في مبادرة اعتبرت بـ «الإنسانية»، أطلق عليها «عهد العطاء» (Giving Pledge). تقضي هذه المبادرة بأن يلزم كل من مشاركيها بالتبرع بما لا يقل عن نصف ثروته للعمل الخيري. وقد وقع على هذه المبادرة حوالي40 مليارديرا أميركيا. وكان من بين الموقعين عليها المخرج السينمائي جورج لوكاس ومحافظ نيويورك مايكل بلومبرغ.
وقد بدأت الحملة الحالية لاجتذاب مساهمين جدد منذ شهر يونيو/ حزيران الماضي عندما أطلق وارن بافيت نداء بهذا الصدد: «لقد باشرنا هذا العمل للتو، وها نحن نجد تجاوبا يفوق التوقعات». وحسب بافيت أيضا فإن «عهد العطاء» يعطي الإمكانية للعائلات الغنية الأميركية لتهتدي إلى طريقة مثلى للتصرف بثرواتها.
وتعتبر هذه المبادرة مواصلة لتقليد «إنساني» قديم بين الأغنياء «الميغا» الأميركيين، الذين يفضلون دفع الأموال إلى الأعمال الخيرية بدلا من تقديمها لهيئة الضرائب.
وقد وضع المبادرون شرطا وحيدا فقط، وهو أن على الذين يلتزمون بدفع أموالهم للأعمال الخيرية أن يعلنوا على الملأ نهارا جهارا نيتهم تلك بالتوقيع كتابيا على هذا العهد.
ولا بأس من أن يرمي كل منهم إلى هدف محدد من وراء تبرعاته: «إنني أهب القسم الأكبر من ثروتي من أجل تحسين نظام التعليم. فهذا هو المفتاح الحقيقي لاستمرار بقاء الجنس البشري» – كتب المخرج السينمائي جورج لوكاس في رسالته.
وقد أصبح معروفا أن كثيرا من المتبرعين يقدمون التزامات بمبالغ تفوق بكثير الحد الأدنى المتفق عليه، وهو 50 % من إجمالي ثروة المتبرع. فوارن بافيت نفسه التزم بتقديم 99 % من ثروته لصندوق الزوجين غيتس ومنظمات خيرية أخرى.
وكانت مجلة فوربس قد قدرت ثروة بافيت بسبعة وأربعين مليار دولار. أما بيل غيتس الذي اعتبرته فوربس ثاني أغنى أغنياء العالم فقد تبرع بمبلغ 28 مليار دولار للصندوق الذي أسسه بنفسه. ولايزال السعي جاريا لاجتذاب المزيد من المساهمين في المبادرة، حيث يبلغ مجموع الأثرياء «الميغا» في الولايات المتحدة الأميركية 403 مليارديرات.
لاشك أن هناك حاجة إلى المزيد من البحث في تفسير هذه الظاهرة، وخصوصا في تزامنها مع الأزمة المالية الاقتصادية الخانقة من جهة، والدعوة إلى فرض المزيد من الضرائب على المصارف والمؤسسات المالية بعد اتهامها بالتسبب في الأزمة بشكل رئيسي.
غير أن محللين آخرين وجدوا في هذه الظاهرة طريقة مدروسة من أجل تدوير بعض الزوايا الحادة في الأزمة العالمية، وخصوصا لتفادي انفجار الاحتجاجات الاجتماعية.
أحد النقاد اللاذعين شبه هذه العملية بعملية سريان التيار الكهربائي. فبعد قفل الدائرة يجري تناوب «صفر – دفعة»، حيث عن طريق هذا التناوب فقط يتم تأمين الضوء الدائم.
هذه التجربة – المبادرة مهداة إلى رجال المال الذين تزخر بهم منطقتنا، وهم من «الميغا» بقياس ثرواتهم إلى اقتصادنا الخليجي، وخصوصا مع غياب الضرائب المباشرة لدينا.
 
صحيفة الوسط
9 اغسطس 2010