المنشور

(طنين) محاولة روائية سعودية

تتسعُ دوائرُ الروايةِ في السعودية وتتوجهُ لتحليلِ الحياة الاجتماعية، بل لسبرِ أغوارِ التاريخ الصعبة.
(طنين) روايةٌ تقومُ بعرضِ وتحليلِ التاريخ الحديث للمملكة، وهي بقلم سيف الاسلام بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود، فهو شخصٌ من التاريخ الداخلي للمملكة بل من صميم هذا التاريخ، رغم هذا فهو باحثٌ في قضايا الحياة الاقتصادية المعاصرة، ولكن يبدو أن له اهتماماً عميقاً بتاريخ بلده، ولهذا قامَ بعرضهِ في أولِ روايةٍ له التي عنونتْ باسم (طنين).
يعودُ المؤلفُ سيفُ الإسلام إلى حقبةٍ بدا انها قد دُفنت، وأن لا أحد يمكن أن يعودَ إلى تفاصيلها، وهي غزو حاكم مصر وهو محمد علي في القرن التاسع عشر الجزيرة العربية، والآثار والمعارك والتغييرات الاجتماعية والسياسية التي ترتبتْ على هذا الحراك التاريخي الخطير.
محمد علي رجلٌ خطيرٌ في تاريخِ المشرق العربي خاصة، ولعبَ دورَ المؤسسِ للحداثةِ وبصيغتها الأوروبية التقليدية المتداخلة المتصارعة، ومهد حتى للثورات العسكرية التي جرتْ بعد ذلك.
إن المؤلفَ قرأ بعمقٍ الأحداثَ بتفاصيلها الدقيقة، بين الجزيرةِ العربية ومصر، ووقف عند أحداثها المباشرة، ومسارات الصراعات السياسية فيها، أي بين هجوم القوات المصرية ونسفها مدينة الدرعية عاصمة الوهابيين واحتلالها الحجاز وضمه إليها، وبين أسر العائلات السعودية الحاكمة وعائلات علماء الدين الوهابيين التي شاركت في الصراع والدفاع عن المدينة، ومن ثم متابعة عيشها في أرضِ الكنانة بالقاهرة، وكيف تبدلتْ أحوالُها واطلعتْ على صنوفٍ من العيشِ والحداثةِ لم تخطرْ لها ببال، فيما قُطعت رؤوسُ القادة في عاصمة الخلافة (الآستانة).
المؤلف سيف الإسلام ولأنها تجربته الأولى في العمل الروائي فقد اعتمد أسلوباً تقليدياً في إنشاءِ الحبكة الروائية، فقد شكلها من خلالِ أسلوبِ الرسائل الموجهةِ من طرفٍ واحدٍ الى مرسلٍ إليه، وهي رسائل لا دور فنياً لها، فكأن المرسلَ للخطابات يحدثُ نفسَهُ، أو يتكلمُ بشكلٍ منولوجي، ذاتي، مع أفكارهِ، من دون وجود طرفٍ آخر مختلفٍ أو مصارعٍ أو مضاد يحاوره ويختلف معه، أو أن يظهر رواة آخرون، لكن بطبيعة الحال أسلوبه أفضل بكثير من أساليب السرد الأولى.
بطلُ الروايةِ أو شخصيتُها المحوريةُ الأميرُ خالد بن سعود كاتبُ الرسائلِ المطولةِ لأحدِ معارفه في مدينة الرياض، لا ينتظر إجاباتٍ، لأن رسائَلهُ كانت تُقرأ من قبلِ سجانيه في المدينة، التي حُبس فيها بعد أن فشلَ مشروعهُ السياسي وتم سجنه ونفيه للحجاز حتى وفاته.
أي إن رسائلَهُ لم يكن لها دورٌ روائي بنائي، يهيجُ الأحداثَ ويطورُها، بل كان لها دور الروي الصامتِ، الساكنِ، التعريفي بالشخصية الكاتبة وحراكها، بدءاً من نضالها في الدرعية ودفاعها عن الدولة السعودية الأولى حتى نفيها، ورؤيتها مدينة القاهرة المختلفة، وتبدلها من خلال هذا العيش، عبر قراءات مطولة للأفكار الحديثة سواءً على المستوى العربي القديم النهضوي أم على المستوى الأوروبي.
وكذلك متابعتها لما آل إليه مصيرُ مؤسسي الدولة السعودية الأولى من نفي الى مصر ثم الى تركيا، ومن ثم القضاء عليهم في الآستانة عاصمة الخلافة الإسلامية كما ذكرنا التي ترفضُ ظهورَ قيادةٍ إسلامية أخرى منافسة لها خاصة من الجزيرة العربية.
خالد بن سعود الشخصية الكاتبة للرسائل، محور الرواية، وراويها الأوحد، يعرض عروضاً ثقافية غير بنائية روائياً، أي أنه يخلط بين الموسوعة والعمل الروائي، فهو يستعرضُ عصرَ النهضة العربية القديمة وما ظهرَ فيها من تياراتٍ ثقافية وفلسفية، وما جرى من تطور حال الخلافة التركية والصراعات فيها بين المستبدين المتخلفين والمصلحين، وما أحدثهُ محمد علي حاكم مصر من تطورات حضارية، وما قامَ به من حروب، وهي كلها معلومات تتشكل خارج السرد الروائي.
أما حراكُ البطلِ خالد بن سعود فهو حراكٌ ضئيل، لكونِ شخصيتهِ مأخوذة من الخارج، ويتم التركيز في ظروفها الخارجية وليس في صراعها الداخلي، ليس على التناقض الكبير بين أحلامها وبين الواقع المتخلف، بين تعلقها بحداثةٍ غامضة وبين واقع يحتاج إلى رؤية دينيةٍ تحديثية إصلاحية، لم تكن هذه الشخصية قادرة على تجسيدها فنياً ولا على إنتاجها ممارسة.
كانت الظروف بطبيعة الحال صعبة جدا، لكن هذا لا يمنع من جعل الشخصية بؤرة العرض الروائي، وتجسيد تناقضاتها، وخاصة أن الفترة المختارة والشخصية المعروضة تمثلان منطقتين روائيتين خصبتين.
هي محاولةٌ مبكرةٌ للكاتب في دخول دهاليز التاريخ العسرة وهي تنبىءُ بموهبةٍ وبغزارةِ معرفة.

صحيفة اخبار الخليج
6 اغسطس 2010