المنشور

الوعي السياسي للناخبين.. كيف سيكون؟ (1)

كان وعي الناخبين في اوائل سبعينيات القرن الماضي، وتحديدا عشية اول انتخابات برلمانية حرة في تاريخ البلاد على درجة كبيرة من النضج السياسي والوعي الانتخابي لمصالحهم، وهذا يعود بالدرجة الاولى إلى فضل القوى السياسية الفاعلة على الساحة السياسية حينذاك وعلى رأسها القوى اليسارية والقومية، وحيث لم تكن قوى الاسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني والمعروفة بتوجهاتها التشطيرية الطائفية ذات وزن على الساحة السياسية، فهذا الوزن لم يبدأ بالتنامي الا في اعقاب الثورة الخمينية عام 1979 حتى بلغ ذروته على النحو الذي نشهده الآن مستفيدا في ذلك بانحسار قوة ونفوذ القوى اليسارية والقومية وبخاصة في اعقاب الضربات المتلاحقة التي واجهتها منذ حل برلمان .1973
وبفضل ذينك النضج والوعي السياسي اللذين تميز بهما ناخبو برلمان 1973 نجح – كما نعلم -بعض المرشحين في دوائر لا ينتمي ناخبوها الى ذات المذهب الذي ينتمون اليه.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: كيف وهو وعي الناخبين في مختلف الدوائر الانتخابية بعد مرور عقد واحد على خوضهم تجربتين انتخابيتين برلمانيتين (انتخابات 2002، وانتخابات 2006)؟
وكما نعلم فإن الوعي الديني ذا المنحى الطائفي هو الذي حدد في الغالب موقف وتوجه الناخب لانتخاب مرشحه المفضل خلال دورتين انتخابيتين.. فهل سيكون هذا الوعي ذاته هو الذي سيفرض سلوك الناخب وتوجهه خلال عملية التصويت في مراكز الاقتراع اثناء الانتخابات المقبلة الوشيكة؟
للأسف فإنه بالرغم من مرور نحو عشر سنوات على استئناف الحياة البرلمانية وخوض الناخبين تجربتين انتخابيتين فإن وعيهم السياسي – بغالبيتهم العظمى – مازال وعيا دينيا مذهبيا تتحكم فيه وتشكله القوى الدينية السياسية، هذا على الرغم مما انكشف للناخبين خلال تينك الدورتين الماضيتين من ضعف اداء غالبية النواب الذين وصلوا الى كراسي المجلس النيابي بناء على التحشيدات والاصطفافات المذهبية خلال الحملات الانتخابية لكلتا الدورتين الانتخابيتين الماضيتين في عام 2002 وعام .2006
وبالتالي فعلى الرغم من مرور 30 عام منذ بداية تنامي صعود مد الاسلام السياسي مازال وعي الغالبية العظمى هو وعي ديني طائفي سياسيا، وحينما يكون الوعي الانتخابي السائد في صفوف الناخبين هو في الغالب وعي ديني طائفي، وحينما يكون هذا الوعي سهلا للانقياد خلف الشعارات والتحشيدات الدينية والمذهبية، وحينما تكون تعبئتهم وغسل ادمغتهم سهلين على اساس الايمان والدين وتوظيف سلاح التكفير تجاه المرشحين الوطنيين الآخرين.. فمعنى ذلك ان المعركة الانتخابية بين مرشحي الاسلام السياسي ومرشحي القوى الوطنية والليبرالية عامة لن تكون متكافئة لتخاض مثلا على اساس التنافس بين البرامج الانتخابية واستقامة المرشح وكفاءته السياسية، فمن البديهي ان ميزان القوى سيميل بقوة لصالح مرشحي قوى الاسلام السياسي المذهبي، فلن يستطيع مرشحو القوى الوطنية والليبرالية مجاراة منافسيهم من مرشحي جمعيات الاسلام السياسي في معركة سلاحهم لكسب افئدة وعقول الناخبين هو إشهار سلاح التكفير او الايمان ودغدغة مشاعر بسطاء الناخبين الدينية ولاسيما في اوساط النساء اللاتي يتم احضارهن بعشرات الالوف بالباصات في يوم الانتخابات الى مراكز الانتخابات ولا تتخلف واحدة منهن عن التصويت للمرشح الذي تم تلقينها بأهمية التصويت له كواجب ديني مقدس وحيث المشايخ والعلماء ورثة الانبياء يأمرون بالتصويت له كمرشح مؤمن تقي.
لكن هل معنى كل ذلك ان يستسلم مرشحو القوى الليبرالية لهذا الوضع المعقد بكل سهولة؟
ان مرشحي القوى الوطنية عليهم ان يعلموا ان المعركة الانتخابية التي سيخوضونها ليست سهلة وهي ليست معركة من اجل الفوز ببضعة كراسي في المجلس النيابي فحسب، بل هي معركة من اجل احداث ثغرة ولو صغيرة في تغيير وعي الناخبين وتقويض بنية معمار الوعي الديني الطائفي المزمنة فإذا ما استطاعوا ببرامجهم وبشعاراتهم المبسطة التي تلامس مباشرة هواجس الناخبين ومصالحهم وآمالهم وهمومهم ان يحدثوا مثل هذه الثغرة وان يكسبوا قطاعا ولو محدودا من المضللين بالوعي الديني الطائفي فإن ذلك ليعد مكسبا تاريخيا اعظم من مجرد كسب كرسي او كرسيين في مجلس النواب، لأن مثل هذا التغيير مهما يكن نسبيا سيكون بداية يمكن البناء عليها ومراكمتها تدريجيا نحو تحرير اوسع قطاع من الطبقات الشعبية وبسطاء الناس من اسر الوعي الديني والطائفي الذي لطالما جاء على حساب مصالحهم الحقيقية مهما تسترت القوى الطائفية بالشعارات المطلبية السياسية البراقة والوعود المجانية لتغيير حال الجماهير الى الافضل والمطالبة بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية الآنية.
ويمكن القول إن ثمة ما يلوح في الافق بوجود بوادر أولية من التملل الجماهيري لدى عامة الناخبين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية من اجترار التحشيدات المذهبية الموسمية الانتخابية التي تعكس افلاس الجمعيات السياسية الدينية الذين زجتهم لانتخاب مرشحيها بناء على تلك التحشيدات المفتتة للنسيج الاجتماعي الوطني، وعلى سبيل المثال لا الحصر ففي احد المجالس الشعبية لقرية مقابة تم توجيه اصابع الاتهام صراحة الى “الوفاق” كجمعية طائفية، كما تم نقدها لحشدها كثرة من المعممين ضمن مرشحيها (انظر الوسط – 30/7/2010).
 
صحيفة اخبار الخليج
3 اغسطس 2010