المنشور

الحلال والحرام في السياسة الراهنة

الحلال والحرام تقنيات فقهية إسلامية منتجة في عصر قديم كانت تحاول عبره إنتاج قانونية اجتماعية توقف الممنوعات السيئة خاصة في فهمها في ذلك الحين، كالسرقةِ والاعتداء والربا والزنى وشرب الخمر وغيرها، وهي الممنوعات التي ترافق فهمها مع ظروف معينة مر بها العرب المسلمون.
كانت تلك في الفترة الأولى موضوعةً داخلَ إطارِ دولةٍ شعبية، كانت هي الممكناتُ في ظروفِ الجزيرة العربية وعبر المؤثرات القادمة من قوانين الشعوب المؤمنة الأخرى النموذجية للمسلمين كاليهود والنصارى، وعبرها كان المسلمون يحاولون تأسيس تجربة تعاونية أخوية تجسدت لهم إلى حين.
ثم غدت تلك المحرمات بلا ذلك الأساس، ولكن مع نمو مؤثرات حضارية جديدة، قبلتْ بالتنوع وببعضِ الحريات وفسرت التحريم بمرونة نظراً لظروفه، فكسب التطور العربي الإسلامي حريات صغيرة وفقد هيمنة الأغلبية على الموارد.
كان ذلك هو الفقه العام الذي ضُبط وحُدد بهيمنةِ الأغنياء والأقوياء في ذلك الزمن، بينما فقه الحرية والدفاع عن الملكية العامة الضائعة ذُبل وخَفت ثم انتهى.
ولكلِ عصرٍ فقههُ الذي تحددهُ القوى الكبرى المؤثرة وقد بدأ الفقهُ يميلُ للحريةِ والثورةِ العربية مع زمنِ الليبرالية وصعود حركة التحرر العربية الناصرية خاصةً، ثم خمدَ بعد ذلك مع الثورة النفطية وصعود الفقه الحنبلي والإثناعشري اليميني.
وفي الزمنِ الراهن لم يحصلْ على هيمنةِ الأغلبية الشعبية على الموارد كما في العهد الإسلامي الأول، ولا هو شرعياً حصل على فقه الحريات الصغيرة. ولم يظهر مشرعون فقهيون من بين الأغلبية الشعبية يكرسون فقه الشعب والنضال.
المنتجون الجددُ المعاصرون للأحكام الشرعية الإسلامية حائرون فهم غير قادرين على مطالبةِ الحكوماتِ بإرجاعِ المالِ العام للشعوب، وهم مترددون في تطبيق الأحكام الشرعية النصوصية على الجرائم والأحداث الصغيرة، وهم يفلتون اللصوصَ الكبارَ ولا يرون سوى اللصوص الصغار!
هناك من أضاعَ العروةَ الوثقى بين الماضي والحاضر وفقدَ البوصلة، فقلبهُ على معاشهِ أكثر من حبه للعدالة.
وهناك الفقهاء المغامرون الانتهازيون وجدوا أن ثمة فرصاً كبرى مع الإرهابيين ولكن خذلتهم قراءاتُهم السياسيةُ المحدودة.
فانقلبوا يعقدون المؤتمرات الصارخة ضد الغوغاء والإرهابيين لكن لا يتكلمون على الحكومات التي أضاعتْ الأموالَ العامة، وأغنت الغرب المليء بالخزائن من أموال الشعوب، وأفقرت البلدان العربية الإسلامية.
أما أن يصرخوا مع الإرهابيين أو يكونوا ضدهم، وليس ثمة موقف وسط عادل موضوعي بين هؤلاء وأولئك، موقفٌ ينظرُ لنقد كل من يخطئ، ويُفقر الخزائن، ويتلاعب بالمال العام ويضع أمم المسلمين على ورق اليانصيب العالمي.
بعضهم الذي كان مع الإرهابيين ويُنظّر لهم، تم شراؤه وانتقل بين عشية وانقلابها إلى الطرف الآخر.
قبلَ ليلةٍ كان يصرخُ بضرورةِ تحطيمِ وهدمِ الحكومات الكافرة المتجبرة بالحديدِ والنار، ويوضح الشروطَ الإسلامية التي وجب بناءً عليها تحطيمها وإزالتها، ثم بعد أن ضُبط واعتقلَ وعانى قليلاً من قلةِ النومِ والأكل والخوف من فقدان الكرسي المُنتطر القادم على جناحِ قنبلة، إذا بهِ يتحولُ ويتشدقُ بدورِ الحكومات وعظمة الإسلام الذي شُرع على أيديها، وفجور كل من عارضَها وناوأها، ومن يفعل ذلك هو مارقٌ فاجرٌ الخ!
إنهم الساكتون عن الحق، الذين تنام الأحكامُ في جيوبهم، ويخرجونها متى ما وجدوا مصلحةً شخصية، يحقدون ويتألمون نظراً لحاجتهم وطمعهم فيضعون مآربَهم على الدين فإذا أثروا بشوا وبدلوا الأحكام.
زمن الانقلابات الفقهية أيضاً هو زمنُ الفوضى، زمن التلاميذ الذين قفزوا فجأة للتنظير والحلول محل الفقهاء الكبار وآيات الله العظمى وأخذتهم أساطير الكراسي وأحلام السلطان فعبثوا بشرعِ أمم.
والأغلبية مع الصمت، لا تريد أن تتخذ موقفاً، أو تدين قتلاً في عامة المسلمين، الأغلبية مع الغالبين ومع الغنائم ولا يهمها دمٌ يُسفك ولا أرواحٌ تُزهق ولا ثرواتٌ تضيع ولا زمان ثمين يُهدر.

صحيفة اخبار الخليج
2 اغسطس 2010