المنشور

الإسكان أزمة إلى أين؟ حلول ترقيعية واختلاسات بالجملة وشح في الأراضي


 
لاشك أن من أولويات حقوق الإنسان أن يجد له في وطنه وأرضه التي ترعرع عليها منزلاً يؤويه مع أسرته وسكناً لائقاً يحقق له الاستقرار والسكينة مع أطفاله وهذا ما يفتقده اليوم العديد من الأسر ويبحث عنه آلاف المواطنين ونرى مشكلة الإسكان آخذة في الاستفحال والاتساع وهذا أمر لم يعد مقتصراً على الطلبات الإسكانية الجديدة أو طلبات من شملتهم التغيرات الديمغرافية،  بل شملت من اعتبرت وزارة الإسكان قبل سنوات أنها قامت بحل مشكلتهم الإسكانية عبر مشاريعها المتواضعة والشحيحة.
 
 بمعنى آخر إذا كانت مدينة عيسى أو مدينة حمد كمشروعين إسكانيين يعتبران قياساً من أكبر المشاريع الإسكانية وقد استوعبا آلافاً مؤلفة من الطلبات الإسكانية ولكن في ذات الوقت كانت تلك الحلول مؤقتة وترقيعية بدليل أن من استفاد من تلك المشاريع يضيق ذرعاً اليوم من منزله المحدود المساحة وبعد أن أنفق عليه آلاف من الدنانير ليطوع ذاك المنزل لحاجياته من المرافق وليتدارك تآكل المنزل و إهترائه. ليس هذا فحسب بل أصبح بداخل كل منزل هناك طلب إسكان ينتظر الفرج……!!
 
 وإذا كانت وزارة الإسكان تواجه في السابق من الأعوام 15 ألف طلب إسكان وتراكم ليصل الى 30 ألف طلب فاليوم تواجه الوزارة 50 ألف طلباً وهو آخذ في الزيادة ليصل إلى 60 ألف طلباً، هذا إذا ما علمنا أن طلبات المواطنين في الإسكان تتدفق بحوالي 7 آلاف طلب سنوياً وعلى الجانب الآخر لازالت الوزارة تراوح مكانها في تلبية طلبات 1993.
 
ورغم جهود المسئولين بوزارة الإسكان لتدارك الأزمة الإسكانية والتخفيف منها عبر تقليص فترة الانتظار وتقديم علاوة السكن والبحث عن مخارج بمشاريع إسكانية إلا أن الواقع أصبح أكبر بكثير من مراوحات الوزارة التي تشكو من قلة الموارد والإمكانيات وشح الأراضي ولازالت تحمل في أحشاؤها عن مفاسد الماضي فلا زال هناك حوالي 6 ملايين قروض متعثرة السداد واختلاسات تفوق المليون في بنك الإسكان، البنك الذي كان من المفترض أن يكون قناة ضخ ورافعة للمشاريع الإسكانية.
 
 إن ويلات المفاسد والفساد التي عشعشت لسنوات في الوزارة تقع تبعاتها اليوم على رأس المواطن الذي لا يعلم متى سيتحقق له حلم الفرج بعد سنوات الانتظار، وقد باتت قضيته ومشكلته في بورصة مزايدات النواب الأفاضل واستعراضات الوزارة العقيمة والتي كان آخرها مشروع البيوت الذكية الذي مات  حيث ما وُلِد ودُفن قبل أن يرى النور وأصبح ملفاً في طي الكتمان بعد أن تعددت مصادر القرار فيه ولا نعلم كم متنفذ كان على أبوابه ينتظرون عمولتهم منه..!!
 
 ومع احترامنا لإخلاص بعض المسئولين بوزارة الإسكان وسعيهم لمعالجة الأزمة الإسكانية إلا أن المواطن لا يرى عملياً في الأفق القريب أو البعيد حتى مخرجاً لمشكلته في الوقت الذي يرى هناك مشاريع تـُنجز وبلمح البصر وأبراج تناطح السحاب وأموال بالملايين تـُنفق وتـُوظف لإقامة منتجعات سكنية على مساحات من الأرض بآلاف الكيلومترات وهي بعيدة كل البعد عن علاج مشكلة الإسكان كهم وطني وقضية معيشية يعاني منها أبناء البلد كل ذلك في الوقت الذي نرى ان وزارة الإسكان تبحث عن مساحات من الأراضي وتـُفتش عن شراء عقارات لتنفيذ مشاريعها السكنية.
 
فالدولة أصبحت تبحث عن أراضي ومساحات لإقامة مشاريعها الإسكانية أليس أمراً مضحكاً  إننا نعيش في وطن قد نـُهبت خيراته وأراضيه لتصبح في حكم قلة متنفذة أليس تلك المعطيات تـُبرهن على أن علاج الأزمة الإسكانية في مهب الريح ولا توجد هناك إستراتيجية وطنية واضحة في علاجها ومواجهتها، الوزارة في الوقت الحاضر تريد أن تخرج من عنق الزجاجة لفتح الأبواب لمشاركة القطاع الخاص.
 
 وهذا أمر قد يـسهم في جزء من حل المشكلة ولكن هذه الشراكة يخشى أن تكون بدايات لتنصل الدولة من مسؤولياتها وترك الحبل على الغارب وتحويل المشاريع الإسكانية لبقرة حلوب لمن هو قادر على الاستثمار والمتاجرة فتلك ستكون الطامة الكبرى والتي ستغرق قارب النجاة وستتحول القضية من أزمة إسكان على المستوى الوطني إلى أزمة سكن فردية يواجه تبعاتها المواطن البسيط بإمكانياته المحدودة وليدور في حلقة مفرغة، ولتضيع البوصلة في ظل تجنيس عشوائي ونمو مضطرد للتعداد السكاني وطلبات إسكانية متزايدة متراكمة.
 
 فعلى سبيل المثال في المحافظة الوسطى فقط هناك حوالي 14 ألف طلب إسكاني ومشاريع الوزارة اليوم بمقابل ذلك بالكاد تصل إلى بضع مئات، ومشروع كمشروع توبلي مثلاً المزمع الشروع في تنفيذه لازال غير ممكن التحقيق بسبب عدم توفر مساحات من الأراضي لإقامة المشروع عليها ناهيك عن شكوى الوزارة من ارتفاع سعر القسائم وأسعار الأراضي مما يقف كعقبة أمام تنفيذ المشروع وتلك وضعية تعكس مدى مأساوية الأزمة الإسكانية وظلام النفق الذي تاهت فيه.