المنشور

تقارير الثراء مقابل المجاعة والفقر!


كشف تقرير الثروات العالمي السنوي الرابع عشر الصادر مؤخرا عن شركة ميريل لينش لإدارة الثروات العالمية حول تطور الثروات الفردية في العالم، عن أن ثروات وأعداد أثرياء العالم إلى ازدياد في العام 2009،على الرغم من ضعف الاقتصاد العالمي وما عاشته الأسواق العالمية من أزمة طاحنة لا زالت تداعياتها تلقي بثقلها على كاهل الاقتصاد العالمي برمته.

بحسب التقرير عاود عدد أثرياء العالم الارتفاع ليبلغ 10 ملايين شخص بنسبة زيادة بلغت 1.17 %، وازدادت القيمة الإجمالية لثرواتهم لتصل الى39 تريليون دولار أمريكي، وازدادت قيمة ثروات كبار الأثرياء بنسبة 5.21 % في ذات العام. نظرياً تشير تلك النسب إلى تعافي معدلات الثروة على المستوى العالمي في 2009، معوضة ما منيت به من خسائر قبل عام، لتعود مجددا إلى مستويات ما قبل الأزمة في عام 2007، فقد ارتفع عدد الأثرياء في الشرق الأوسط على سبيل المثال بنسبة بلغت 1و7% ليصل إلى 400 ألف شخص، وارتفعت ثرواتهم الإجمالية لتصل إلى 5.1 تريليون دولار أمريكي.

وفي حين تباينت نسب الثراء وأعداد الأثرياء في دول الخليج العربي الغنية بالنفط صعودا وهبوطا، وعاودت أعداد أثرياء منطقة آسيا – حوض المحيط الهادي الارتفاع لتبلغ 3 ملايين شخص لتضاهي أعداد أثرياء أوروبا للمرة الأولى على الإطلاق. وارتفعت قيمة الثروات الفردية في منطقة آسيا – حوض المحيط الهادي بنسبة 9.30 % لتصل إلى 7.9 تريليون دولار، متجاوزة بذلك خسائر عام 2008 وثروات الأوروبيين الفردية التي بلغت قيمتها 5,9 تريليون دولار. كما توقع التقرير أن تعاود دول مجموعة «بريك» البرازيل، روسيا، الهند والصين، تحفيز نمو الثروات الفردية في المناطق التي تقع فيها كل منها خلال السنوات القليلة المقبلة، وأن تواصل الصين والهند قيادة نمو وتوسع الاقتصاد والثروات الفردية، بمعدلات يرجح أن تتجاوز الدول الأكثر تقدماً. 

الى هنا يمكن التوقف عند تلك الأرقام التي لا شك أنها تبعث على التفاؤل بالنسبة لمتتبعي الثروات وتوجهات الاستثمارات العالمية والاقتصاد العالمي بشكل عام خلال الفترة القليلة القادمة، ويجدر القول أن تقرير الثروات العالمي هذا لا يمكن له أن يكون مصدرا وحيدا للتفاؤل وعنوانا على صحة وسلامة الاقتصاد العالمي الذي لازالت بودار ضعف بناه وركائزه كامنة وبقوة في أرقام ونسب أخرى لا يمكن التقليل من شدة وطأتها على الاقتصاد العالمي، فها هو تقرير صندوق النقد والبنك الدوليان يقدم لنا حقائق وأرقام اقل ما يقال عنها أنها مخيفة بحق وخلال ذات الفترة الزمنية أي في العام 2009، يهمنا أن نعرض بعضا منها هنا، حتى نستطيع المقاربة بشكل أكثر قبولا وموضوعية لحالة الاقتصاد العالمي وانعكاساتها المرتقبة. فقد سبق أن حذر كلا من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من أن الأزمة المالية العالمية تهدد بشكل جدي الجهود الرامية لبلوغ أهداف الألفية الجديدة بحلول عام 2015 للخطر، وطبقاً لهذا التقرير، يبقى من غير المرجح بلوغ معظم الأهداف الثمانية المتفق عليها عالمياً في التاريخ المستهدف، بما في ذلك الأهداف المتعلقة بالقضاء على الجوع، ووفيات الأطفال والأمهات، والتعليم، والتقدم المحرز في مكافحة فيروس ومرض الإيدز والملاريا وغيرهما من الأمراض الرئيسية.

تقديرات صندوق النقد والبنك الدوليان تقول أن ما بين 55 و 99 مليون شخص آخر يتوقع أنهم قد سقطوا بالفعل في براثن الفقر المدقع في عام 2009 نتيجة لحالة الركود الاقتصادي في العالم، ومن المتوقع أن تكون قد ارتفعت معها أعداد من يعانون الجوع المزمن في العالم لتتجاوز المليار شخص، مما يعني انتكاسة كبرى للمكاسب التي تحققت على صعيد محاربة سوء التغذية.

جون ليبسكي، النائب الأول للمدير العام لصندوق النقد الدولي يقول: «مع تزامن تعرض جميع المناطق الرئيسية في العالم لموجات الركود جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، فمن المحتمل أن تشهد الكثير من البلدان تباطؤاً بالغاً في استعادة عافية اقتصاداتها، مما يجعل مكافحة الفقر أشدّ صعوبة وأكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

أما بالنسبة لواقع الحال في عالمنا العربي فتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 40 مليون عربي يعانون من نقص التغذية أي ما يعادل 13 % من السكان تقريبا، بالإضافة إلى أن نحو مائة مليون عربي يعيشون تحت خط الفقر، وأن الأمن الغذائي العربي يظل مهددا بسبب الخلل الذي يعتري العديد من الاقتصادات العربية جراء عدة عوامل، منها فشل الخطط التنموية والتوزيع غير العادل للثروات والفساد بكافة وجوهه, لتتجدد الدعوات في محيط دولنا النامية والعربية على وجه الخصوص بضرورة دعم شبكات الأمان الاجتماعي عبر مشاريع دعم وميزانيات لازالت مختلة بفعل تخبط السياسات وسوء الإدارة.

خلاصة القول إن عرض تقارير الثراء والأثرياء لا يجب أن تنسينا ما يعج به واقعنا المعاش من أزمات وتراجعات مخيفة وعلى عدة مستويات، منها تزايد معدلات الفقر والمجاعة وتراجع فرص العمل والتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية وتدمير البيئة، فتلك مشاكل بنيوية ستظل مرتبطة ببنية الاقتصاد الرأسمالي العالمي مهما جرت محاولات التجميل التي لن تفلح أبداً في غياب العدالة وتكافؤ الفرص وتفشي الفساد وغياب الحكم الصالح على مستوى العالم.