المنشور

التيار الوطني.. متى يكتب تاريخنا المستجد؟!


حقاً لا أدري إلى أي مدى استطاعت ندوة مجلس الدوي التي أقيمت مساء السبت الماضي تحت عنوان «تحديات وآفاق وحدة التيار الديمقراطي»، قد أجابت على مجمل تلك التساؤلات التي شغل بعضها حيزا من تفكير من أعدوا مشكورين للندوة ومنهم؛ الأستاذان الكريمان عبيدلي العبيدلي وشوقي العلوي المنشغلان مثل بقية أبناء وبنات هذا التيار ومعهم جموع غفيرة من أبناء شعبنا ممن تعنيهم وحدة ومستقبل التيار الوطني الديمقراطي، الذي هو بطبيعة مكوناته الفكرية والسياسية تيار موِحد وجامع ، بل هو ضرورة لا يستقيم معها ما يعتريه في الوقت الراهن من تمزق وضعف، نتيجة لعدة اعتبارات موضوعية وذاتية، اتفق الجميع تقريبا في تلك الأمسية على ضرورة الإسراع في حلحلتها للخروج بهذا التيار الذي فيه تكمن وحدة نسيجنا الاجتماعي والوطني، بعد أن عاثت فيه القوى الطائفية ذات المصلحة تمزيقا وإضعافا، بغية التفرد بمكونات مجتمعنا التي أضحت محاصرة بكل تلك المفاهيم الطارئة على بيئة البحرين ثقافيا وحضاريا، ليصبح لزاما على كل المخلصين للبحرين ووجهها الحضاري المشرق سرعة المبادرة في لملمة شتات هذا التيار التاريخي والضرورة، حتى تستعيد البحرين معه وجهها الحقيقي وروحها المصادرة.

بداية يمكن القول ان حضور ندوة مجلس الدوي هذه هم في الأساس خليط من بعض أعضاء ومناصري الجمعيات الثلاث، المنبر التقدمي، جمعية العمل الوطني والتجمع القومي، بالإضافة إلى بعض المحسوبين على تيارات الإسلام السياسي وبعض التقنوقراط والمهتمين، وذلك ما فتح شهية الحضور للتداخل بشكل كبير، إلى الدرجة التي أحسسنا معها أحيانا وخلال مسار الندوة بضياع بوصلة الحوار بعيدا عن موضوع الندوة ذاته، ما انعكس على طبيعة مداخلات البعض أو حتى تشنجهم أحيانا، كما أن توقيت انعقاد الندوة ربما لم يساعد المتحدثين الثلاثة للحديث بشكل أكثر تفصيلا وإقناعا، خاصة في المنعرجات التي كانت تحتاج منهم جميعا لجرأة اكبر لسبر أغوار بعض القضايا الأساسية المرتبطة بشكل مباشر بالموضوع محل البحث، أضف إلى ذلك أننا لم نلحظ إصرارا من قبل من وضعوا المحاور الأولية للندوة للحصول على إجابات شافية على تساؤلاتهم المشروعة حول وحدة التيار الديمقراطي والتحديات والآفاق التي فيها يكمن عنوان الندوة، وحتى وإن نجح حوار تلك الأمسية في تجاوز ما اسماه مدير الندوة الأستاذ العبيدلي «المحاكمة أو المماحكة « إلا انه بكل تأكيد – أي الحوار – لم يصل بنا إلى حد الاقتناع بما تم طرحه من إجابات مقتضبة في أغلبها، كم تمنينا أن تكون أكثر وضوحا وفهما واستشرافا لآفاق وحدة التيار والعمل المشترك بين مكوناته وفي القلب منها الجمعيات الثلاث بكل ما تمثله من تاريخ وزخم نضالي، لازلنا نعتقد انه يحتاج إلى معالجات أكبر وأعمق.

ولكن، وعلى الرغم من ذلك يمكن اعتبار الندوة مدخلا مهما لحوارات أكثر غنى وفائدة مستقبلا، إذا استطاعت الجمعيات الثلاث أن تقنعنا من الآن فصاعدا بتوجهها الجاد لخلق أرضية سياسية مشتركة تفضي إلى عمل نوعي يتجاوز ما هو قائم من تنسيق في حدوده الدنيا، إلى ما هو أرحب بحيث يصبح بعده الحوار عن قيام تيار وطني مسؤولية مشتركة لدى الجميع، بعيدا عن أية حسابات ثانوية، يصح القول معها أنها ربما لا تخدم وحدة التيار ومستقبله، فالتفكير بشكل جاد في بناء تيار وطني ديمقراطي يحتاج من الجمعيات الثلاث ومعهم تيار واسع من الشخصيات الوطنية والمناصرين والأصدقاء للحديث بوضوح أكبر والإسهام بفاعلية ونقد بناء يتجاوز المجاملات والتربيت على الأكتاف كما يحصل أحياناً كثيرة، مثلما يحتاج إلى ذاكرة وشحذ للهمم، حتى نستطيع أن نضع أيدينا على مكامن الفشل ومصدر العلة، لندفع ونشجع من أجاد وأخلص، ولنقول في المقابل لمن تراخى عن الوصول لتلك المهمة الجليلة إنه كذلك، فلم يعد الوضع يقبل التغاضي عن أداء مهمة طال انتظارها من قبل كل الديمقراطيين المخلصين، ولا عيب في ذلك إن نحن اضطررنا للعودة قليلا إلى الوراء لأخذ العبر والدروس، ولكن ليس بغرض الهروب واستسهال إلقاء اللوم على الآخرين، فتلك مهمة تاريخية ومقدسة، أجد صادقاً أن على قيادات التيار الوطني وفي مقدمتهم قيادات الجمعيات الثلاث أن يكتبوا معها تاريخا جديدا وفاء للذين رحلوا مكللين بهالات الفخر، فهم ينظرون إلينا اليوم بأمل أن نمتلك جميعا الشجاعة والرؤية الثاقبة لقراءة المستقبل الذي هو رهن بقدرتنا على الإبداع والإخلاص في بلوغ المهمة، التي يجب ألا تترك نهبا لنوازع وأهواء من لا يعنيهم هذا التيار في شيء، فتضحيات ونضالات هذا التيار الذي شيد البحرين الحديثة برجاله وكوادره فيها دروس وعبر وزاد لمشوار طويل يكمن في ثناياه الوطن الذي علينا أن نحتضنه برفق ومودة واحترام أكبر لشعبنا الذي اظهر في العديد من المحطات عطشا كبيرا لتيار وطني جامع ينتشلنا ومعنا الوطن من أحقاد الطائفية وممارسات التمييز، لنبقى متمسكين بأهداب الحلم في بناء دولة مدنية عصرية ذات مؤسسات ديمقراطية حقيقية وانسجام شعبي أضحى مفتقدا بكل أسف، وذلك ما أفصحت عنه الندوة ومطالبات جمهورها.


صحيفة الايام
7 يوليو 2010