المنشور

المعارضة وتعارضاتها


كشفت جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) مساء الخميس الماضي في مؤتمرها العام الخامس، مرشحيها الثلاثة، إبراهيم شريف ومنيرة فخرو وسامي سيادي.
 
المؤتمر عقد تحت شعار يحتوي جوهر الإصلاح وأهدافه: «نحو إصلاح ديمقراطي لتنمية إنسانية مستدامة»، استقبالاً لفترة الانتخابات المقبلة، التي ستشهد تنافساً شديداً على كعكةٍ صغيرةٍ، وأدوارٍ مقيّدة يعرف الجميع محدودية الحركة فيها. وهي إشكاليةٌ تدفع كل فريق، من المقاطعين والمشاركين، وحتى داخل التيار السياسي نفسه، إلى إعادة طرح الحجج القديمة، دون التقدّم خطوةً واحدةً إلى الأمام.
 
بالنسبة إلى «الوفاق» المسألة محسومةٌ سلفاً على مستوى الجمعية، ولكنها موضع تساؤل وشك كبيرين لدى قواعدها حتى فيما يسمى بالمناطق المغلقة. فهناك واقعٌ جديدٌ كثير الإغراءات بعد المشاركة، سواءً بالنسبة إلى الصف الأول من النواب الحاليين الذين أفرزتهم حركة التسعينيات، أو الصف الثاني والثالث من الشباب الذي يطمح للعب دورٍ يعلم مسبقاً بمحدودية الحركة والمناورة فيه.
 
بالنسبة إلى الفصيلين اليساريين «وعد» و «المنبر الديمقراطي»، فقد اكتمل إعلانهما المشاركة خلال الأسبوعين الماضيين، بعد مخاض عسير وتجاذبات. وتغلّب أخيراً الرأي القائل بالمشاركة، لكيلا تقبل بالتهميش كأمر واقع، رغم كل التضحيات خلال عقود راكمت فيها الكثير من التجارب والكوادر والخبرات. لقد كانت الغلبة لفكرة «أن دخولنا المعترك النيابي ليس من أجل تزيين ما هو قبيح، ولكن من أجل الدفاع عن مصالح الناس وكشف الأمور على حقيقتها».
 
فيما بقيت الشقيقة الإسلامية الصغرى «أمل» تنتظر مترددةً، تقدّم رجْلاً وتؤخّر أخرى. تتناوشها قناعةٌ بـ «عبثية المشاركة في برلمان كسيح»، وبين هاجس التهميش وخروجها من دائرة اللعبة رغم تضحياتها الكثيرة أيام العسرة الطويلة.
 
المعارضة تدخل المرحلة وهي في مأزق، بعد أن تدنّى مستوى التنسيق بينها إلى الحد الأدنى، وهو مستوى مرشحٌ للتدهور أكثر مع زيادة حمى الانتخابات وحدّة التنافس على تلك الكعكة الصغيرة المقسّمة أصلاً بالمسطرة والفرجار.
 
«وعد» حسبت حساباتها بدقة، فأنزلت اثنين من مرشّحيها في «المحرق» والثالث بـ «الوسطى»، وهي خطوةٌ ذكيةٌ قد يُفهم منها تجنّب الاحتكاك بالحلفاء القدامى والقبول بالحد الأدنى من التنسيق… هذا إن كان هناك أي تنسيق. وهي حالةٌ دعت المرشّح الرئيسي (شريف) للتحذير من أن تكون الانتخابات سبباً في خصومات تمتد سنواتٍ وعقوداً.
 
المعارضة وصلت إلى مفترق طرق كان يحلم به الحكم طويلاً. ومع غياب الرؤية الاستراتيجية وتغلب المصالح الفئوية والفردية سيتعمق المأزق أكثر، وسيكون ذلك أفضل خدمة للمتربصين بقوى التغيير النابعة من رحم الشعب والمعبّرة عن تطلعاته في سبيل غدٍ أكثر إشراقاً، وأقل معاناةً وآلاماً.
 
غياب الرؤية الاستراتيجية سيدفع الناس ثمنها، ومشكلة «الوفاق» أنها تعيش على إرث الماضي وتركاته. وإذا كان التفكير على طريقة التقاط الغنائم فتلك هي أقصر الطرق للانتحار الجماعي.
 
البحرينيون يقصدون المدينة المنوّرة بالآلاف في مواسم الحج والعمرة، ويحرصون على زيارة جبل أحد، حيث دارت تلك الواقعة التاريخية، ويتذكرون ما جرى حين نزل الرماة من الجبل، طمعاً بالأسلاب والغنائم فانكشف ظهر المقاتلين، فدارت عليهم الدوائر. والمعارضة التي تعجز عن تحقيق الحد الأدنى من التنسيق، وتحمّل المسئولية الوطنية في لحظة انتخابات عابرة… لهي معارضةٌ مصابةٌ بضعف البصر السياسي والبصيرة التاريخية.
 

صحيفة الوسط 29 يونيو 2010م