المنشور

بعد سرقة الأراضي .. البحر يستصرخكم !!


كشفت الحلقة الحوارية التي نظمتها لجنة البيئة في المنبر التقدمي مؤخرا  الكثير من وجوه الكارثة البيئية التي أصابت شواطئنا وبحارنا وثروتنا السمكية، ونسميها بالكارثة  لأنها بالفعل أصبحت كارثة وطنية تستحق منا جميعا مؤسسات وأفراد أن نفرد لها مساحات واسعة من الحوارات والنقاشات المستفيضة، علنا نصل يوما إلى حلول  ولو جزئية نستعيد من خلالها جزءا من تلك الثروات التي ضيعتها نوازع الجشع والأنانية لدى بعض المتنفذين وأصحاب القرار، ممن لا يطالهم أي نوع من المحاسبة أو المسائلة مهما بلغ مستوى الجرم، فبعد السواحل والخلجان المدمرة والأراضي والأملاك العامة المغتصبة والمصادرة، ها هي مشاريع الدفان والردم وتدمير الفشوت ومصائد الأسماك والحياة البحرية مستمرة دون توقف ودون رحمة أو واعز من ضمير.

 فالبحر والبحارة الذين باتوا يستصرخون الجميع لإنقاذ بحر البحرين ومصدر رزق مئات الأسر أصبحوا جميعهم في مهب الريح، بعد أن تأكد بالفعل أن ثروتنا السمكية أصبحت صفرا وبشهادة المختصين من أكاديميين وبحارة، حتى أن أحدهم قد ذكَر  حضور الحلقة الحوارية المشار إليها هنا، بأن كل ما هو موجود من اسماك في الأسواق وعلى موائدنا اليومية هو في الأصل اسماك مهربة إن شئنا الدقة! وأن بحارة البحرين الذين يتعرضون كل يوم لشتى أنواع الغرامات المالية والملاحقات التي أوصلت بعضهم إلى حد التعرض لرصاص خفر سواحل دول الجوار، هم من يعود لهم الفضل في تمويل أسواقنا المقفرة وسلة غذاء المواطن البحريني من الأسماك!
هل يحتاج أصحاب القرار ومن يصدرون تراخيص الصيد اليومية لكبار المتنفذين من ضباط  ومسئولين لأدلة أكبر، نعم نستطيع أن نعيدهم إلى أرقام هي ليست من بناة أفكارنا بل هي موثقة في  العديد من الدراسات والبحوث الرسمية، وبعضها يؤكد انه بعد أن كان لدينا أكثر من 500 نوع من الأسماك أصبح لدينا 40 نوعا فقط، وأن هناك أكثر من 400 رخصة صيد جديدة صدرت مؤخرا لبعض من لديهم مهن مزدوجة غير مهنة الصيد وهم الذين ينافسون البحارة المحترفين في مصدر رزقهم الوحيد.

لقد دمرت مساحات واسعة من الفشوت البحرية ومصائد الأسماك والحضور التي تقلصت إلى حد كبير، كل ذلك تحت مسميات مثل بناء المدن الجديدة والمنتجعات  التي يتعذر على السواد الأعظم من أبناء هذا الوطن مجرد الوصول إليها، في الوقت الذي  بات عليهم أن يتحملوا تبعات تلويث وتدمير بيئتهم التي كانت يوما غنية وعامرة بموارد وثروات تفّرد بلدنا بها عن بقية البلدان.  ليس عدلا أبدا أن تتعامل الجهات المتنفذة بمثل هذا التمادي والإهمال في تلويث وتدمير أرضنا وبحرنا وسماءنا، وتتجاوز لأجل ذلك كافة القوانين والقرارات، مستفيدة من غياب الضمير الوطني لدى بعض المتنفذين ممن أضحوا يتعاملون مع ثرواتنا وأملاكنا وكأنها مغانم يجب اقتسامها!

ويجدر القول هنا  انه  يصبح وبالا على الوطن أن يتم التمادي في التعاطي مع ملفات وقضايا الوطن الكبرى منها والصغرى بروح الاستسهال  والتطنيش وعدم المبالاة، و يجري تبرير ذلك دائما وأبدا  بالقول أن القوى السياسية الغيورة على حاضر ومستقبل هذا الوطن هي في موقع المزايد والمؤجج لصراعات معيقة! فنحن  نرى أن تلك الإعاقات إنما تأتي من قبل  تلك الجهات المتنفذة في سعيها للهيمنة والاستحواذ، وبأي ثمن على مقدرات الوطن ومستقبل الأجيال، فما يجري على ارض الواقع بالنسبة لهذه القضية تحديداً لم يعد مقبولا من قبل السواد الأعظم من أبناء شعبنا، الذين باتوا ينظرون بحسرة لثرواتهم المضيعة تذهب وتتلاشى لحساب حفنة من المتنفذين الذين هم في منأى عن أي مسائلة أو محاسبة.

 إن ابسط قواعد الشراكة التي نسعى إليها على الدوام – وهي جوهر ومضمون ميثاق  عملنا الوطني- الذي احتكمنا إليه منذ أكثر من عقد من الزمان، لتؤكد على حقنا كشعب  في أن نعيش في وطن تحترم فيه الإرادة الشعبية وتصان فيه الثروات والحقوق والأملاك العامة والخاصة في ظل دولة القانون والمؤسسات  التي هي حلمنا الأكبر.