المنشور

جمعية الأطباء تتجاوز السائد


تجتمع في الخامس والعشرين من هذا الشهر(يونيو) جمعية الأطباء البحرينية، لتنتخب جمعيتها العمومية مجلس إدارة جديد. الجديد ليس في الانتخابات ولا في الاجتماع العام والدوري، وليس في الشكليات الانتخابية التقليدية، والتي كثيرا ما سيطرت عليها النزعة السياسية وتوجهاتها الدوغمائية إلى حد خنقت مساحة الحركة والحرية لطاقة من الأطباء والجمعية، التي تكمن فيها طاقة هائلة من الإنتاج والحيوية، باعتبارها جمعية مهنية في غاية الأهمية، فهي بإمكانها تفعيل أنشطة لا حد لها متى ما ربطت الجمعية والأطباء ما بين دورهم المهني والوطني والإنساني، والخروج إلى الفضاء المفتوح والتفاعل مع كل نبض من ضربات قلب مجتمعنا الموهون والمفجع بروح طائفية كريهة لم تكن يوما من الأيام، قائمة بين أصحاب المهنة وأصحاب الرؤية الإنسانية والوطنية.

لا نريد أن نخوض في المساحة والعطاء الذي بإمكان الجمعية تقديمه لمجتمعنا من خدمات وتوعية، والوصول إلى ابعد قرية في بلد لا يمكن وصفها بجغرافيا الصين البعيدة. ما يهمنا في هذه المقالة تسليط الضوء على أهم نقلة تاريخية في مسيرة جمعية الأطباء البحرينية، حيث تصعد لأول مرة امرأة (طبيبة) إلى سدة رئاسة هذه الجمعية، لتؤكد لنا مرة تلو المرة عن إن المرأة البحرينية قادرة على تأكيد ذاتها ككاريزما وكقدرة إدارية ومهنية، وخلاقة ومبدعة في مجالاتها الحياتية المختلفة.
تصعد امرأة لمقعد رئاسة الجمعية، فان ذلك مؤشر ايجابي هام يعكس أولا مدى الوعي الجمعي المتطور داخل الجمعية وحس المسؤولية المشترك، بين الأطباء والطبيبات، حيث تتهشم كل حواجز التفكير الذكوري وتتغلب النزعة الإنسانية الصحيحة والمهنية الحقة في منح المرأة المكانة اللائقة التي تستحقها والتي برهنت على مصداقيتها خلال العقود الأخيرة، سواء في هذه الجمعية أو غيرها من الجمعيات.

نرفع قبعتنا احتراما للجميع، للذين منحوا صوتهم للمجلس الجديد، أو لأولئك الذين ابدوا تحفظهم أو صمتهم الخجول، أو لأولئك الذين مازالت عقولهم مسجونة في قفص الماضي، عن إن المرأة تقف في الدرجة الثانية من السلم الاجتماعي، ومن ثمة ينسحب هذا التفكير الميكانيكي على أصحاب المهنة الواحدة، حيث داخل أروقة المهنة وعطائها هناك فقط الحرفية والجدارة والتأهيل والإنتاجية والإبداع والذكاء والرزانة واحترام الذات، والنزاهة في تقديس ذلك القسم التاريخي الأثيني. ان يتحول مجلس الإدارة الجديد في جمعية الأطباء بغالبية نساء 4 إلى 3 ذكور، فان ذلك يدفعنا إلى طرح حقيقة واحدة وواضحة عن إن هناك تحول في الوعي داخل الجمعية بأهمية دور المرأة ومساواتها ومشاركتها فعلا وقولا معا، بعيدا عن الشعارات والألوان البراقة من المفردات.

الشيء الجديد في هذه الانتخابات نجاح الجمعية في المزج داخل هذا التنوع (تنوع القائمة) بين الأطباء الاستشاريين والأطباء المقيمين، بحيث باتت اللوحة أكثر تناغما وانسجاما بين جيل يجمع الخبرة والحصافة وجيل ممتلئ بحيوية الشباب، حيث تكتمل الحلقة بين جيلين بحاجة مجتمعنا إليهم، فتراكم الخبرة الطبية البحرينية أمامها حلقة مهمة لاجتيازها وهي بناء الثقة بين الجمعية والمرضى يوما بعد يوم، فثروة الخبرة الطبية البحرينية تعادل ثروة قومية، علينا جميعا حكومة وشعبا أن لا نجعلها قوة ناضبة ومهاجرة.
 
الخطوة الايجابية الكبيرة التي تسجل لأعضاء الجمعية الذكور، الذين قبلوا بهذه التركيبة 4+3 من مجموع سبعة أعضاء لتصبح الغلبة للنساء، وهم بذلك يتفقون مع فرانسيس فوكوياما، المفكر الأمريكي من أصل ياباني، عن استشرافه وتأكيده عن إن القرن الواحد والعشرين هو«عصر النساء»، مؤكدا رأيه بالأرقام مدى تبوؤ النساء مواقع مختلفة في السياسة والاقتصاد والمال والأعمال والحرف والبرلمانات والتعليم والتنمية. في النهاية ستترك للضمائر المهنية حرية الاختيار والتصويت في مناخ حر، فمن يودون التمسك بفلسفة الماضي الذكورية لهم حقهم في الاختيار أما من يودون إبراز رغبتهم في التغيير، فان قائمة التغيير الجديدة هي دعم الطبيبات في هذه الانتخابات، المهم الابتعاد عن التسييس والطائفية، فالهدف أولا وأخيرا خدمة الأطباء والمهنة والمجتمع. هل نعتبر انتخاب امرأة كرئيسة لجمعية الأطباء ولأول مرة مؤشر خير وتفاؤل في القطاع النسائي وحركته، إزاء الانتخابات النيابية القادمة أو على الأقل تمرين لسنوات قادمة، تصبح عتباتها الأولى الجمعيات المهنية وغير المهنية.
 
الأيام  22  يونيو 2010