المنشور

الطريق إلى المهرجان


الآن نتذكر تلك الموسوعة التي تعجّ بالإضرابات والتحركات المطلبية، العمالية والنقابية في العام 1974 ‘’طرائفها ومآسيها، قصصها وحكاياتها، همّها وغمها، سحرها وتعاويذها’’، ونقارنها بـ ‘’,’’2007 أي بعد ثلاثة وثلاثين عاماً، حيث نحتفل بهذا اليوم المجيد (عيد العمال وسائر شغيلة اليد والفكر في أنحاء دول العالم المختلفة، باعتباره عيدا للتضامن الكفاحي، والنضال العنيد، من اجل الحريات النقابية والسياسية، وفي سبيل الديمقراطية والسلام والعدالة الاجتماعية).

جرت مياه كثيرة، وآلام كثيرة أيضاً، منذ ذلك العام السبعيني بتواريخه التي لا تنسى، بدءاً من خروج أول مسيرة عمالية بموجب طلب تصريح رسمي، كان قد وقع عليه نشطاء عماليون، من بينهم كاتب السطور، جليل الحوري، أحمد سند البنكي، ومحمد الريّس، حيث سلم إلى وزارة الداخلية، وبعد مفاوضات واستدعاء من قبل وزير الداخلية آنذاك الشيخ محمد آل خليفة وعناصر من المخابرات ووزير العمل إبراهيم حميدان، ومن دون الحصول على توافق في ذلك الاجتماع، وبعد النصح بالتريّث ‘’حيث البلد لا تحتمل هزات في مسيرتها الديمقراطية’’، خرجنا في اليوم التالي بالمسيرة السلمية المجازة رسمياً من وزارة العمل وجهاز المخابرات ضمن تعهدات بالحفاظ على الأمن العام، وذلك في مايو/ آيار لمطالبة أعضاء البرلمان أن ينصفوا بعض الحقوق العمالية، المتمثلة في ‘’رفع الأجور، توظيف العمالة البحرينية في المؤسسات الرسمية، تشغيل العاطلين وما إلى ذلك من مطالب مشروعة’’.

بالفعل، خرجت المسيرة من موقع وزارة العمل آنذاك باتجاه قبة البرلمان، وقام الممثلون العماليون بتسليم رسالة تتضمن مطالبهم إلى رئيس المجلس الوطني ونائبه عبدالله المدني، وبعد يومين من تسليم الرسالة، باشر البرلمان عبر كتلة الشعب بطرح الموضوع للمناقشة. وكان ما كان.

تسارعت التطورات مع تصعيد الحركة المطلبية والإضرابات العمالية مروراً بتشكيل النقابات الأربع التي قامت في مصنع الألمنيوم (ألبا)، وزارة الصحة، إدارة الكهرباء، والبناء والمهن الإنشائية، ورافق ذلك تحرك حكومي مضاد وصلت ذروته في تخصيص جلسة سرية للمجلس الوطني في 22ـ6ـ,74 ‘’اعتبر فيها وزير الداخلية إن الإضرابات والتحركات العمالية تهدد الديمقراطية والازدهار بسبب رغبة الشركات الأجنبية في نقل مكاتبها إلى إمارات الخليج الأخرى، حيث لا إضرابات ولا تحركات عمالية هناك، ولا هم يحزنون’’، وفي هذه الجلسة الشهيرة حصلت الحكومة على تفويض بـ ‘’الضرب بيد من حديد’’ وباتخاذ إجراءات أمنية لإيقاف، أو الحد من النشاط النقابي والوطني المتزايد، وعلى إثر ذلك سجل الخامس والعشرين من الشهر ذاته تصعيداً خطيراً، حين شنت السلطات حملة مداهمة وتفتيش لعدد من المنازل واعتقلت العشرات من النشطاء ليضافوا إلى عشرات المعتقلين ممن اعتقلوا من مواقع عملهم قبل أيام في مصنع ألبا.

نتذكر هذا اليوم بمرارات ليس من باب زرع الكراهية، وإنما تصحيح أخطاء دفعها أبناء الوطن الشرفاء، نتمنى ألا تتكرر. والآن، وبعد 33 سنة من ذلك تتبلور فكرة مشابهة لأول مسيرة عمالية مصرح لها رسمياً في تاريخ البلاد، وتأخذ الطريق ذاته لتنطلق اليوم من مقر اتحاد النقابات إلى البرلمان وطرح المطالب، ربما ذاتها لما فكّر بها العمال قبل ثلاثة وثلاثين عاماً، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، بلا ريب، لمشاركة النواب والضغط عليهم في حل المشكلات العالقة، ليس في الموضوعات المتصلة بالعمال فحسب، بل وقضايا أخرى بملفاتها المختلفة ذات الصلة بقانون امن الدولة، لاختبار المفاهيم السائدة للكتل النيابية بتركيبتها المعروفة، التي يعتقد البعض، أن الآلام وضحايا التعذيب قد بدأت من التسعينات، وما عدا ذلك فهو خارج عن التاريخ النضالي لهذا الشعب نتمنى من الكتل النيابية تصحيح مفاهيمها النضالية وأن يتوافقوا على تمرير قانون الأحوال الشخصية عبر قبة البرلمان .

مطالب العمال لا تختلف عما كانت عليه في الفترات السابقة مثل: تحسن الأجور، ومحاربة البطالة، واستجابة الدولة إلى تأسيس نقابات حرة في القطاعين، الخاص والعام، وكذا إفساح المجال للعناصر الوطنية في مؤسسات الدولة من دون تمييز طائفي، بل على أسس المواطنة الحقّة.

وأخيراً، كل ما يتمناه العمال، وشغيلة اليد والفكر في بلادنا، ليس المطالبة بالحقوق المشروعة، بل ممارسة هذه الحقوق وتفعيلها وخلق الطمأنينة لكافة المواطنين باختلاف مشاربهم ومعتقداتهم، ومن هنا، فإن معركة الحقوق النقابية والمهنية والاجتماعية، ليست ترفاً، بل هي في الواقع معركة الديمقراطية ككل، وكسب شغيلتنا لهذه المعركة هو مؤشر لانتصار الروح الديمقراطي في المجتمع وتحقيق مبدأ المواطنة وترسيخه في أعمق أعماق الناس.


 
نشر في الوقت – 1 مايو 2007