المنشور

لتفادي المجلس الطائفي


بواكير الحملة الانتخابية القادمة، ومن خريطة المرشحين التي بدأت في التشكل التدريجي، ومن القراءة العامة لحظوظ المرشحين الذين يعتمد غالبيتهم في خطابه الانتخابي على المفردات المذهبية والطائفية، يتعين علينا التنبيه من مخاطر قيام مجلس طائفي كذاك الذي انتهت ولايته، يتبارى فيه الطائفيون بإثارة الموضوعات التي لا يمكن إلا أن تدفع إلى مطبات الفتن ، وتحرض الغرائز المذهبية المختلفة على أن تشكل دوافع للتجاذبات التي وسمت المرحلة السابقة، ويمكن أن تسم المرحلة القادمة من حياة البحرين السياسية، حيث يختفي الهم الوطني الجامع وتغلب الميول والأجندات ذات الميول الطائفية.

ما زال في الوقت متسع لكي يعد الناخب البحريني إلى العشرة وحتى إلى المائة قبل أن يحسم خياره في التصويت للمرشح الذي يرغب في أن يراه في المجلس القادم، ومثل هذا التروي ضروري للتمحيص بين أجندة المرشحين، وخلفياتهم السياسية، فالفصل التشريعي المنقضي برهن على أن النائب ذا التكوين الطائفي والمذهبي لا يمكن أن يؤسس لأداء وطني ولا يمكن لأجندته في المجلس أن تكون بعيدة عن نوازعه الطائفية في بيئة هناك من يرغب أن تطغى عليها هذه النوازع.

هذا ما سيحدث إذا تكرر سيناريو المجلس المنقضية ولايته، وغابت عن مقاعد المجلس الوجوه الوطنية الديمقراطية ذات التكوين الوطني الواسع والأفق الديمقراطي الشامل في التعاطي مع قضايا الوطن والمجتمع التي يمكن أن تغلب الهم الوطني والاجتماعي الذي يعني البحرينيين جميعا بصرف النظر عن مناطقهم وطوائفهم، والتي تنأى بنفسها عند مقاربة أي ملف من الملفات عن التعاطي الطائفي أو المذهبي أو المناطقي، والتي تنظر للأمور من منظور شامل يتخطى مثل هذه الانحيازات أو الولاءات. علينا جميعا في قوى المجتمع المدني وفي الجمعيات السياسية وكذلك في الصحافة الحرة غير الطائفية أن نعمل ما في وسعنا من أجل أن تجد العناصر ذات النزوع الليبرالي والديمقراطي فرصتها في أن تكون في المجلس القادم، لأن وجودها فيه سيسهم في الحد من خطر انزلاق المجلس إلى السجالات والمعارك المذهبية، وسيساعد في جعل هذا المجلس قريبا من المشتركات العامة في الوطن ولدى المواطنين، وأن ينصرف إلى التعاطي مع القضايا المختلفة بروح حريصة على البناء الديمقراطي الذي ننشده.

وطبيعي أن ذلك مرهون بسن التشريعات التي توسع من رقعة الحريات العامة ومن مساحة الديمقراطية في المجتمع، عبر تطوير الآليات الدستورية والقانونية الضامنة لذلك، وتكريس مبادئ قبول وتعايش الرأي والرأي الآخر، والنأي عن كل ما من شأنه تنميط المجتمع برأي واحد وسلوك واحد، يذكرنا بالأنظمة الشمولية.

وذلك هو ضمانة أن تظل البحرين كما عهدناها مجتمعا لكل الآراء والأفكار وأنماط المعيشة ولأن تبقى مجتمعا منفتحا على رياح التغيير وعلى الأفكار الجديدة، رافضة لمساعي البعض إلى تحويلها إلى مجتمع منغلق متزمت يديره زعماء الطوائف، بدل أن يقوده القادة الوطنيون المتفتحون الذين صنعوا وجه البحرين الحديثة، والذي نجحوا في صهر مكونات المجتمع في بوتقة التغيير والبناء الخلاق، فيما يسعى الطائفيون إلى تفتيت المجتمع إلى طوائف ومذاهب تتنازع على الهامشي وتُضيع الجوهري .