المنشور

فارس آخر يترجل

لم نكد نفرغ من حفل تأبين القائد العمالي عبدالجليل الحوري، حتى داهمنا خبر رحيل فارس آخر من فرسان جبهة التحرير الوطني وقادتها، فارس من فرسان الحركة الوطنية البحرينية التي ناضلت من أجل استقلال البحرين من الاستعمار وأعوانه، وفي سبيل الديمقراطية والتقدم، المناضل عبدعلي محمد أحمد، الذي ودعناه مساء السبت، بعد صراع طويل مع المرض، الذي لم يثنه عن مواصلة عطائه في المنبر الديمقراطي التقدمي ومتابعـة الشـأن الوطني في بلادنا.
انتسب عبدعلي محمد أحمد إلى صفوف جبهة التحرير الوطني في ريعان شبابه عام 1963، واستمر مناضلاً في صفوفها ومن ثم في صفوف المنبر التقدمي حتى الرمق الأخير في حياته، حيث كان حاضراً في نهاية الأسبوع الماضي في اللقاء الانتخابي الذي نظمه عضو مكتبنا السياسي فاضل الحليبي في الدائرة التي يزمع الترشح فيها، في قلب حي الحمام الذي كان هو وحي المخارقة معاقل لجبهة التحرير الوطني البحرانية، ومنهما برز قادة وكوادر كثيرون لجبهة التحرير لا يحصون في مقدمتهم المناضلان محمد نصر الله والنقابي عباس عواجي أطال الله في عمريهما.
آخر مرة التقيته كانت منذ أسبوع في حفل التأبين الذي أقمناه للراحل عبدالجليل الحوري، حيث كان ينصت لكلمات التأبين وللعرض الشيق الذي قدمه الباحث الأخ عبدالله عمران عن سيرة عبدالجليل انطلاقاً من حورة الحدادة مروراً بمواقع العمل النضالي حتى محطته الأخيرة، وعلاقاته مع رفاقه وأصدقائه ومن بينهم عبدعلي أحمد بالذات.
يمثل عبدعلي محمد أحمد أنموذجاً راقياً في الصلابة الكفاحية والنقاء الثوري والإنساني بشهادة جميع رفاقه الذين عرفوه في مواقع النضال المختلفة، وفي سنوات السجن الطويلة في جدا وغيرها من سجون مرحلة قانون أمن الدولة، وهو إلى ذلك مثقف من طراز نادر، معروف باهتمامه الكبير بتاريخ البحرين، ليس السياسي منه فقط وإنما أيضاً بجوانبه الثقافية والاجتماعية وبذاكرة المكان.
وهو في مقالاته في نشرة «التقدمي» التي لا يكاد يخلو عدد من أعدادها من مقالاته، ترك لنا أجمل وأروع الصفحات عن ذاكرة المنامة وعن حي الحمام والمخارقة، وعن ذكرياته النضالية في العمل التنظيمي السري وفي السجن وفي المنفى بدمشق، بما فيها صفحات عن ذكرياته في مجلس الرمز الوطني الكبير الراحل عبدالعزيز الشملان عندما كان منفياً من قبل الاستعمار البريطاني في دمشق.
شخصياً أعتبر كتاباته في نشرتنا «التقدمي» من أجمل الكتابات وأكثرها تشويقاً وسلاسة وامتلاء بالذكريات المهمة، وكنت أجد متعة كبيرة في قراءتها، وقمت بجمعها، وإعادة تنضيدها لطباعتها في كتاب، وزرته منذ شهور قليلة في منزله بمعية رفيقه وشقيق زوجته عباس عواجي لسؤاله حول بعض النقاط في تلك المقالات، ولكن شاءت الأقدار أن يغادرنا قبل أن يصدر هذا الكتاب.
في الكلمة التي كتبها للكتيب الصادر بمناسبة تكريم كوكبة من المناضلين في الذكرى الخامسة والخمسين لتأسيس جبهة التحرير الوطني قال الراحل الكبير:» كانت دوافعنا وطنية وما نالنا كان شرفاً نعتز به ولا زلنا. وهي ليست جريمة أن نسعى للمطالبة برفعة وطننا وسعادة شعبنا».
 
صحيفة الايام
14 يونيو 2010