المنشور

كيف صدرت «الأهرام»؟


في 5 أغسطس من سنة 1876 صدر العدد الأول من جريدة «الأهرام». صدرت الجريدة في الإسكندرية وليس في القاهرة كما قد يتوارد إلى الأذهان. إلى المدن الساحلية عادة تأتي الأفكار الجديدة والمشاريع الجديدة، وكان إصدار صحيفة يومية في بلدٍ مثل مصر وفي ذلك الزمن المبكر خطوة جديدة، لا بل حاسمة في اتجاه الذهاب للمستقبل.

ستغدو «الأهرام» بعد عقود، واحدة من أهم الجرائد العربية على الإطلاق، وإن لم تكن أهمها، وسيتعاقب على إدارة مؤسستها ورئاسة التحرير فيها كتاب مرموقون في تاريخ الصحافة في مصر، ومن على صفحاتها ستبرز أسماء لامعة تشكل علامات بارزة في تاريخ الصحافة والثقافة في مصر.

وقد وقعت يدي مرةً على صورة من العدد الأول من «الأهرام»، فإذا به عدد بسيط يقع في أربع صفحات من القطع المتوسط، يكاد يكون خلواً من التبويب، ليس على النحو الذي نعرفه اليوم في صحافتنا وإنما حتى بمعايير زمن مضى، لكن هذه الصفحات الأربع القليلة عنت في حينه انقلاباً مهماً في اتجاه التأسيس لظاهرة جديدة لم يألفها المجتمع بعد ولم يعرف ما الذي تعنيه.

والطريف أن محرر الجريدة كتب في مكان ما من على صفحتها الأخيرة ما يشبه الافتتاحية، رغم أنها لم تأتِ تحت هذا العنوان ولا على الصفحة الأولى كما هو متوقع، ولا داخل إطار أو «برواز» يلفت إليها الأنظار، وفيها يقول المحرر: « بما أن البعض في هذه المدينة «المقصود هنا الأسكندرية» يرغب أن يرى في لغتنا العربية جريدة يومية تجارية، نحن نعد الجمهور بأنه متى وجد مشتركون وافون للأيام بإدارة الجريدة اليومية لا نتأخر عن إنشائها وتقديمها كل يوم جامعة جميع الحوادث البرقية اليومية وأخبار البورصة وسائر الواردات والصادرات بأثمانها وما شاكل ذلك».

ولم يكن ما في ذهني سليم تقلا وبشارة تقلا، صاحبا ومؤسسا الجريدة القادمان من لبنان، مقتصراً على إصدار جريدة وإنما أيضاً إقامة مؤسسة تقدم خدمات طباعية، بدليل أنهما يعلنان للجمهور في المكان ذاته بأن المطبعة التي تطبع «الأهرام» مستعدة لطبع ما يرد إليها من كتب علمية وأدبية وقصص ونوادر وخلافها، وكذلك تطبع بالحرف العربي والإفرنجي جميع أوراق الأفراح وضدها نظماً أو نثراً من تأليف مدير الجريدة».

حوى العدد إلى ذلك أخباراً دولية، لم تقتصر على السياسة وحدها، وحوى مقالاً أقرب إلى التأملات الوجودية الفلسفية ومتفرقات محلية، غالبها يتصل بمدينة الإسكندرية ذاتها حيث صدرت الجريدة، وبقضايا المحاكم والقضاء فيها، كما أفردت حيزاً لتتحدث فيه عن تاريخ أهرامات الجيزة، التي منها استوحت اسمها.

إن تلك السطور التي حوتها الصفحات الأربع يمكن أن تقرأ كاملة في نحو نصف ساعة. وربما لن يجد القارئ فيها ما هو مثير إذا ما حاكم الأمور من زاوية النظر للأمور كما عليه الآن. ولكن تلك السطور كانت تؤسس لعهدٍ جديد، لتاريخ جديد في مصر وفي المنطقة العربية.