المنشور

البحرين بحاجة إلى الصوت الآخر


ردود الفعل الواسعة التي تركتها ندوة الزميل سعيد الحمد في مجلس الدوي بالمحرق عن الليبرالية، وقبلها ردود الفعل التي أثارتها الندوة التي قدمتها شخصياً في المجلس الكريم إياه منذ أسابيع عن العلمانية، تكشف عن تعطش المجتمع البحريني لسماع الصوت الآخر، الذي غُيب وغيب نفسه، بوعي أو بدون وعي، خلال السنوات الماضية.
في ندوة الأخ سعيد عن الليبرالية أو في ندوتي عن العلمانية حاول البعض الهروب من المحاججة المنطقية للأفكار التي نطرحها وبكل وضوح، إلى تكرار المعزوفات التقليدية عن أن العلمانية والليبرالية تعنيان الكفر، وأنهما بضاعة غربية مستوردة، ولا يريد هذا البعض أن يفطن ان في طبقات الوعي لدى المجتمع البحريني من الادراك الذي يحتاج لمن يستنهضه، ما يجعل هذه المعزوفات سمجة وممجوجة، إذ لا يمكن الاستمرار في خداع المجتمع إلى ما لانهاية.

ان السنوات الماضية التي وضع فيها الإسلام السياسي على محك الممارسة الفعلية، بما في ذلك محك الممارسة النيابية، أظهرت محدودية البرامج التي يطرحها أصحاب هذا التيار، وغربتها عن الزمن الذي نعيشه، وعجزها عن استيعاب حاجات مجتمع حيوي ومتحرك مثل المجتمع البحريني، تعاقبت أجيال من أهل التنوير وفكر النهضة والتقدم في تشكيل وعيه الجديد الذي لا يمكن شطبه بجرة قلم كما يتوهم هؤلاء.

ما يريد الإسلام السياسي فعله هو مصادرة الإسلام نفسه ، عبر الادعاء بأن منتسبي هذا التيار هم وحدهم المسلمون، ومن عداهم فهم خارجون عن الملة، وحاولوا تضليل المجتمع بهذه الأكذوبة، بينما الاسلام، في جوهره وروحه، هوية جامعة لهذا المجتمع بكل مكوناته، ووفق هذا الفهم لا يتناقض الاسلام مع فكرة الحداثة وبناء الدولة المدنية واحترام الحريات العامة والفردية والتنوع الفكري والثقافي في المجتمع.

ليست التوجهات الليبرالية والعلمانية والحداثية بطابعها الديمقراطي والتقدمي العام بغريبة على هذا المجتمع أو دخيلة عليه، إنها توجهات استقرت في الوجدان العام لمجتمعنا من خلال تطوره المديد منذ مطالع القرن العشرين، وتقوت بمناخ التسامح والانفتاح والتنوع والتعدد في الأعراق وتمثل الثقافات المختلفة، سواء كانت نابعة من بنية المجتمع البحريني ذاته أو من المؤثرات الآتية إليه من الثقافات الأخرى التي تفاعلنا معها وجرى استيعابها في النسيج الاجتماعي والثقافي لوطننا.

لا يجوز السماح لأحد أن يصادر هذا التراث من التنوع، وأن يملي على المجتمع نمطاً واحداً من العيش والتفكير، في بلد اعتاد على التعايش مع التعددية واحترام مكوناتها، وقد عانينا خلال الفصلين التشريعيين المنقضيين من مساعي الانقضاض على مكتسبات مجتمعنا، وتجيير السلطة التشريعية لهذا الغرض، ولكن المجتمع البحريني ما انفك يعطي الإشارات المهمة عن تعطشه لأن يسمع الرأي الآخر والصوت الآخر، وأن يصغي للبديل الديمقراطي إذا ما أحسن أصحابه إيصاله بوضوح وبجرأة وثقة.

إن المجتمع بات اليوم أكثر جاهزية لتقبل البديل، لأنه الأكثر انسجاماً مع روح هذا المجتمع وميوله ومزاجه العام، وفق التعبير الموفق لزميلنا عقيل سوار، وهو المزاج الذي نمتلك، أو يجب أن نمتلك، إمكانيات بعثه واستنهاضه وتحفيزه ونحن أمام الاستحقاق الانتخابي القادم، الذي نريد لمخرجاته أن تكون أكثر انسجاماً مع طبيعة هذا المزاج.
 
صحيفة الايام
10 يونيو 2010