المنشور

عبدالحميد القائد… قصة شاعر بحزن البنفسج وبياض الياسمين

 

 

 




مقابلة مع مجلة “اريج” عدد يونيو 2010

 
عبدالحميد القائد… قصة شاعر بحزن البنفسج وبياض الياسمين 
  

 


لا تدع الليل
يدخل فيك
ليطلي روحك بالسواد
ويغرقك في مجرة التيه
اصنع سدا من الأمل
ولو كان كاذبا
فالأبيض هو قلبك


 
يحتل الاغتراب مساحات شاسعة بين سطور أبياته، ويسيطر الحزن على حروف أشعاره، لكن هناك دائما بريق “أمل” يلوح في أفق كلماته  ويمحو غربة روحه، ليقدم حلاوة الشعر الممزوجة بمرارة الأيام حتى تكون شاهدا على ثباته في مواجهة التيارات المختلفة التي عصفت بمسيرته الشعرية الأدبية؛ هو الشاعر المبدع عبدالحميد القائد؛ الذي قدم العديد من القصائد الرائعة التي أعطته نفسا متفردا بعيدا عن التكرار والتشابه، ولم يكتف بذلك؛ بل نقل تلك الإبداعات إلى اللغة الانجليزية بترجمة دقيقة لم تجرد تلك القصائد من روحها العربية.
ومؤخرا دشن القائد؛ ضمن فعاليات مهرجان إلهام للفنون- كتابه الرابع “غربة البنفسج”، في أمسية رائعة ألقى خلالها القائد قصائد مختارة من الكتاب باللغة العربية مصحوبا بعزف على آلة التشيلو للموسيقي الفنان حامد سيف، وقرأت ترجمتها باللغة الإنجليزية الكاتبة ميلسا، والتشكيلية سيرينا.
التقت مجلة أريج بالشاعر البحريني عبدالحميد القائد، في حوار سعى إلى الوقوف على تجربته الشعرية الثرية، وتسليط الضوء على آرائه الأدبية المتعلقة بالشعر والمشهد الشعري البحريني، والحديث عن إصداراته المختلفة، فكان التالي:
 



·  متى كانت بداياتك في مجال الشعر؟

 
خرجت الى الدنيا والشعر ولد معي… أنا أسميه أحيانا لعنة الشعر لأنه على الرغم من متعة كتابة الشعر إلا أنه طريق الألم والاحتراق، وهذا لا يفهمه الا الشعراء! بدأت كتابة الشعر بشكل جاد من بداية السبعينات وكنا مجموعة من الشعراء، دعينا نسميهم  باسم “شلة الحورة” وكانت تتألف  من  علي  الشرقاوي ويعقوب المحرقي والمرحوم عبداللطيف راشد الغنيم وأنا ثم التقينا بعد ذلك  مع مجموعة من الشعراء والمثقفين والفنانين والذين يمكن أن نطلق عليهم (مجازا) “شلة المحرق” منهم قاسم حداد وعلي عبدالله خليفة وخليفة العريفي وعبدالله يوسف وراشد نجم وغيرهم ، ومنذ ذلك الوقت توطدت العلاقة بيننا، حتي     تأسست أسرة الأدباء والكتاب البحرينية في عام 1969، حيث كنت من المبادرين للانضمام إليها في بداية عام 1970 وأنا أعتبر نفسي شبه مؤسس للأسرة. 
  
 



·   متى أصدرت أول ديوان لك؟

 
ساعدني الجو الأدبي والثقافي السائد في فترة السبعينات من القرن الماضي على إصدار أول ديوان شعر لي بعنوان “عاشق في زمن العطش” في عام 1975 وهو ديوان يضم قصائد باللغة العربية فقط، ثم انقطعت بعد ذلك عن كتابة الشعر بسبب ظروف خاصة وحالة اليأس التي اعترتني بسببب مجموعة من الظروف الذاتية والموضوعية، فضلا عن متطلبات وظيفتي آنذاك حيث كنت أعمل في أحد البنوك وكنت أحاول الهرب من عدم قدرتي على الكتابة بقضاء أطول وقت في العمل. ومع ذلك لم انقطع عن الكتابة الداخلية، بمعنى أن الشعر كان موجودا في داخلي يغلي في روحي  إلا أنني لم أكن أترجمه حروفا على الورق.
 



·    ومتى عدت إلى البوح الشعري بالكتابة؟
 

 عدت إلى الكتابة في حوالي عام 1998 وولد ديواني الثاني “صخب الهمس” في عام 2003، وكان ذلك الديوان عودة قوية لي الى الأجواء الثقافية حيث استطعت أن أحقق أحد احلامي وهو ترجمة  الشعر البحريني الى اللغة الانجليزية لكي يصل الى ما وراء الحدود.. الى العالم الخارجي..  وذلك عندما أنجزت انطلوجيا الشعر البحريني الحديث  ”اللؤلؤ وأحلام المحار”، وتتألف من قصائد لـ 29 شاعرا وشاعرة بحرينية. وهذه الانطلوجيا عمل ضخم باللغة الانجليزية طبع بالولايات المتحدة الأمريكية حيث قمت بعملية الترجمة بالتعاون مع الدكتورة منيرة الفاضل التي تولت عملية المراجعة الى جانب أحد الشعراء الأمريكيين المعروفين الذي قام بالمراجعة الشعرية.  وقد ساهمت هذه الانطلوجيا في تعريف العالم بالشعر والشعراء البحرينيين. وتباع هذه الانطلوجيا في العديد من المواقع العالمية عبر الانترنت مثل امازون دوت وكوم وغيرهأز 
  
   



·    كيف تنظر إلى الحداثة الشعرية؛ هل هي فعلا كسر من أجل البناء؟

 
لازال مفهوم الحداثة أمر مختلف عليه، ففي السابق كانت هناك حركات تسعى إلى تحديث الشعر الكلاسيكي ، ولكن على الرغم من ذلك بقي الإطار العام للشعر كما هو بالاعتماد على القصيدة العمودية وبحور الشعر، حتى جاءت نازك الملائكة في العراق وقدمت الشعر الحر وظهر شعراء كثر في هذا الاتجاه، مثل السياب والبياتي وغيرهما ولكن على الرغم من اعتبار الشعر الحر حديثا إلا أنه لم يخرج من الإطار الشعري التقليدي المألوف كثيرا انذاك. ثم جاءت مرحلة الحداثة وما بعد الحداثة التي تنطلق من مفهوم التفكيك من أجل إعادة البناء والتي تتمثل في مجال الشعر في  قصيدة النثر . إنني ما زلت أكتب قصيدة التفعيلة وايضا قصيدة النثر، إلا إنني أصرّ على وجود موسيقى داخلية واضحة في كل قصائدي/نصوصي.  ولابد من التفريق هنا بين قصيدة النثر والخاطرة مثلا لأن الكثير يكتب الخاطرة ويسميها قصيدة نثر… وأنا  أعتقد أن كتابة قصيدة النثر هي أكثر صعوبة  من القصيدة التقليدية لأنها تعتمد على التكثيف والتركيب والإبهار والموسيقى الداخلية.  الحداثة لا تعني حداثة الشكل فحسب، بل حداثة المضمون، حداثة الفكر وحداثة الروح. لا يمكن للإنسان أن يدعي الحداثة/الحداثية وهو يحمل فكراً متخلفاً وهذا مشكلة البعض من الشعراء  والكتاب.
 
 



·   ما هو تقييمك للمشهد الشعري البحريني؟

 
هنالك الكثير من الشعراء البحرينيين الذين اجتازوا الحدود العربية  بل إن بعضهم قد وصلت أعماله الى بعض دول العالم. والبحرين هي أرض الشعر الخالدة، أرض طرفة بن العبد، شاعر المعلقات الجاهلي. وقد تمكن الشعراء في البحرين من الإبداع نظرا للمعاناة الإنسانية والكونية والمعيشية التي مروا بها، وفي بداياتي كان هنالك عدد من الشعراء الذي كانوا سيسجلون نجاحا باهرا لو أنهم استمروا في الكتابة مثل يعقوب المحرقي الذي أصدر ديوانا يتيما أرى أنه يضم قصائد من أفضل ما كتب من الشعر البحريني في ذلك الوقت (السبعينيات)، في المقابل هنالك شعراء استمروا ليس لأنهم الأفضل بالضرورة بل لأنهم آمنوا بأن الشعر وسيلتهم للتعبير عن أنفسهم.  إن الساحة البحرينية تضم الآن العديد من الشعراء المبدعين الذين يقدمون النص المختلف والمبدع دائما والزمن كفيل بغربلة الشاعر الأصيل من غير الأصيل.
 



·   تكتب أشعارك بالفصحى؛ أين أنت من الشعر باللهجة العامية؟

 
تساعدني الكلمات الفصيحة على التعبير عن ذاتي بشكل أفضل، واعتقد أن هذا الأمر متفاوت من شاعر لآخر، ففي الوقت الذي أرى بأن الشعر الفصيح وسيلتي “للفضفضة” الكتابية، هناك بعض شعراء الفصحى الذين برعوا في الشعر العامي في مقدمتهم الشاعر البحريني علي الشرقاوي الذي كتب أجمل  كلمات الأغاني باللغة العامية. إنني ببساطة لا أرى نفسي في الشعر العامي/الشعبي.
 



·   ما الذي تعنيه إليك القصيدة؟

 
القصيدة هي عشقي الأول، تأتي أولا ثم يأتي كل شيء من ورائها، فمن خلالها أعبر عن نفسي وأتخلص من ألمي، وهي طريقي لمقاومة الاكتئاب وفي الغالب أكتب قصائدي لتعبر عن اللحظة  التي أعايشها او أعيشها لذلك تنتشر فيها مساحة واسعة من الاكتئاب والحزن والأحاسيس الإنسانية الأخرى، وذلك ما قد يلمسه القارئ في ديواني الأخير “غربة البنفسج”.
 



·   مؤخرا أطلقت ديوانك الجديد “غربة البنفسج؛ حدثنا عن هذا الديوان؟

 
يضم “غربة البنفسج” 52 قصيدة بين العربية والانجليزية وقد قام بتصميم وتنفيذ الكتاب الفنان خالد الرويعي ولوحة الغلاف الفنانة الفرنسية صوفي ستيفان والخط للفنان عباس يوسف، وهذا هو الكتاب الرابع لي.
 
·    قدمت أشعارا باللغة العربية وترجمتها إلى اللغة الانجليزية في ديوانك “صخب الهمس” وأنطلوجيا “اللؤلؤ وأحلام المحار” ومؤخرا ديوانك “غربة البنفسج”؛ وغالبا ما تنطوي الترجمة على مخاطرة لكونها ترتبط أساسا بالجمالية الذاتية والذوق الشخصي للمترجم، كيف تتجنب تلك المخاطرة وتوصل جمالية النص الأصلي؟

يقال أن ترجمة الشعر هو خيانة له؛ وفي الواقع أن ترجمة الشعر من أكثر الأنواع صعوبة، لأنك حين تترجم لا تنقل كلمات من لغة إلى أخرى، بل يجب عليك أن تنقل الأجواء والحالة الشعرية الموجودة في النص الشعري الأصلي، ولكن لا توجد وسيلة أخرى كي ننقل نتاجنا الشعري والثقافي إلى العالم الخارجي إلا عبر الترجمة. وعندما فكرت في أنطلوجيا “اللؤلؤ وأحلام المحار”، طلبت من الشعراء المشاركين تزويدي بخمس قصائد أو أكثر لكي اختار منها ما يناسب الترجمة والأقرب الى نفسي لكي اتمكن من ترجمتها بصورة افضل حتى أن بعضهم قدم لي كل دواوينه لكي أختار ما يحلو لي. من جانب آخر حاولت قدر الإمكان أن أكون موضوعيا في الترجمة وقد كانت الانطلوجيا نتاج عمل تعاوني رائع مع الدكتورة منيرة الفاضل أستاذة اللغة الانجليزية في جامعة البحرين لمراجعة الترجمة اللغوية، والشاعر الأمريكي المعروف “توم ستينرهاو” لمراجعة الترجمة الشعرية.بالنسبة إلى دواويني ثنائية اللغة؛ ساعدني في ترجمتها أنني أنا الشاعر وبالتالي كان خطر الاختلاف بين النصين العربي والانجليزي ضئيلا؛ فقد بذلت جهدي للحفاظ على المعنى الأصلي وأجواء القصيدة الحقيقية.
 



·   الترجمة حب خطير خصوصا إذا تعلق الأمر بترجمة جمالية الشعر العربي إلى اللغة الانجليزية؛ كيف بدا لك السفر بين الشعرية العربية والشعرية الانجليزية؟

 
اللغة العربية؛ لغة غنية جدا بمفرداتها الواسعة  التي يمكن استخدامها في مواضع مختلفة لتؤدي معان متباينة مما يحولها إلى متعة في اكتشاف سبب اختيار الشاعر لهذه الكلمة دون سواها من الكلمات التي تؤدي إلى المعنى نفسه. من جانب آخر اكتشفت أن ديوان الشعر العربي يعتبر مرجعا ضخما لتوثيق فترات تاريخية وحالات إنسانية كثيرة وقد تفاجأت أن ذلك غير متوفر لدى شعراء الغرب بالغنى الموجود لدى العرب.  فالشعر ديوان العرب كما يقولون،  فالشاعر العربي يتشظى شعرا… يحترق شعرا… وربما يموت شعرا. وعلى الرغم من وجود شعراء  كبار عند الغرب مثل شكسبير وايليوت ورامبو وبريخت وغيرها، إلا  إننا عندما ننظر الى الشعر الأوروبي او الأمريكي في الوقت الحاضر نجده يتطرق الى مواضيع سطحية لا  قيمة لها وبعيدة عن العمق الإنساني والاجتماعي بينما نجد الشعراء المحدثون والحداثيون العرب يتوغلون في الهم الإنساني والكوني ويكتبون بمعاناة حقيقية… والسبب أن الأوربيين أكثر استرخاء لأنهم  غير منشغلين بالقضايا  التحررية على عكس العرب الذين يحترقون يوميا في اتون الحروب والمسلسلات السياسية غير العادلة ولديهم قضايا يريدون انجازها والتحرر من الأغلال الكثيرة التي تلتف حول رقابهم.
 



·   أيهما تفضل؛ كتابة القصيدة أم ترجمتها؟

 
كتابة الشعر بالطبع؛ فهو النافذة التي أتنفس من خلالها وأترجم الشعر الموجود بداخلي عبرها، أما الترجمة فلا تعدو كونها وسيلة لتعريف الجمهور غير العربي بالشعر وبالتالي ضمان وصوله إلى شرائح متنوعة، وأنا اعتقد بأنني محظوظ لقدرتي على الترجمة؛ إذ أن ذلك يتيح لصوتي الوصول إلى الأشخاص الذين لا يتحدثون العربية.
 
·    هل تحلم وتفكر بالعربية أم الانجليزية؟
 
بالعربية بكل تأكيد؛ فأنا عربي بالدرجة الأولى، ولكن على الرغم من ذلك أعتبر نفسي شخصا عالميا لذلك أفكر وأحلم بالسلام والحب لكل العالم بكل اللغات، كما أنني أحاول التفاعل مع الثقافات الأخرى عبر الحوار والقراءة والسفر، وفي الواقع أرى نفسي عاشقا للعالم كله. 
  



·    ما ردود الفعل التي تلقيتها حول الدواوين الشعرية والانطلوجيا التي قدمتها؟
 

كما ذكرت سابقا؛ الشعر هو سر وجودي؛ لذلك سأواصل كتابة القصيدة/النص حتى آخر يوم في حياتي حتى لو لم أتلق تشجيعا من أحد، من جانب آخر وصلتني العديد من التعليقات الإيجابية على الكتب السابقة؛ فديوان “صخب الهمس” فاز بالجائزة الأولى في مسابقة جائزة الكتاب المتميز من وزارة الإعلام بمملكة البحرين لعام 2003، كذلك كانت ردود الفعل استثنائية حول الانطلوجيا الشعرية “اللؤلؤ وأحلام المحار” سواء في البحرين أو الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا لدرجة أنه كان المفتاح إلى تعريف العالم بالعديد من الشعراء البحرينيين كما أنه متوافر على المواقع الرئيسة  لبيع الكتب مثل amazon.com وقد كان أول انطلوجيا شعرية من نوعه في منطقة الخليج.
 



·   أخيرا؛ أين يستطيع القارئ إيجاد معلومات عنك وعن نتاجك الشعري؟
 

يمكن لمن يرغب بمعلومات عن أشعاري أن يبحث في شبكة الانترنت، كما أن بعض كتبي متوفرة في المكتبات المعروفة مثل المكتبة الوطنية وجاشنمال ومكتبة العائلة و غيرها.