المنشور

العالم أحمد زويل ودعوته الحضارية لعالم متخلف


 ضمن منتدى الإعلام العربي التاسع، الذي عُقد في دبي مؤخرا، جاءت دعوة العالم المصري الدكتور (أحمد زويل) والمشارك في هذا المنتدى، إلى “مشاركة العرب في صناعة التقدم العلمي والمعرفة وعدم الاكتفاء بشراء التقنيات”.. كما ان دعوة هذا العالم والحائز جائزة نوبل للكيمياء، قد أصابت كبد الحقيقة، وخاصة انها صادرة عن عبقري فريد ومميز، اعتمدت السياسة الأمريكية في الولايات المتحدة استشاراته العلمية والتكنولوجية.
 
ولكون صاحب هذه الدعوة، قد سعى الى النهوض بالوطن العربي تعليميا وعلميا وتكنولوجيا وإعلاميا وإنسانيا، استوجب الإيمان بهذه الدعوة بحقائقها ومفاهيمها حضاريا وأخلاقيا وعقلانيا وديمقراطيا.
 
ولكن يبقى القول المؤسف بهذا الصدد ان هذه الدعوة المخلصة، ومثيلاتها من الدعوات السابقة، تظل عادة مغيبة بمزيد من التجاهل والتهميش، من قبل أنظمة عربية قد بلغ بها التخلف بجميع أشكاله، أقصاه، بل حتى النخاع.. طالما الوطن العربي بأسره، قد عُرف بإبراز معالم (الدولة القطرية) التي لم يتجاوز عمرها منذ استقلالها الوطني، سبعين عاما، هي فترة قصيرة.. ورغم قصر هذه الفترة، فانها اتسمت بالكثير من الانكسارات والنكسات، ذلك بخضوع الوطن العربي تحت طائلة مظاهر التشرذم والهزائم والتمزق والحروب الأهلية محليا، مثلما اشتعلت الحروب الحدودية ما بين هذه الدولة وتلك.. ناهيك عن ان هذه (الدولة القطرية) قد برزت مفاهيمها ومعالمها، من جوهر السياسة الاستعمارية للوطن العربي، من قبل الاستعمار الأجنبي.ولطالما قامت تشكيلة هذه (الدولة القطرية) على تفاوت العلاقات الاجتماعية والطبقية والاقتصادية والأسرية.. فان هذه الدولة بالمقابل تظل قائمة على طبقات محافظة وطفيلية ووصولية واستبدادية، قد أنشأها الاستعمار الأجنبي بعد انسحابه..
 
ومن منطلق هذه المعادلة السياسية، فان دعوة العالم الدكتور (أحمد زويل) الحضارية لعالم متخلف قد تظل خارجة عن الإطار الرسمي العربي.. لكون النظام السياسي لدى الوطن العربي هو أساس الجرح النازف في تكوين الفجوة السحيقة ما بين البنى الفوقية المهيمنة، والبنى التحتية المضطهدة. ومثلما تعاني (البنى التحتية) غياب الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية والحريات العامة.. فإن (البنى الفوقية) ظلت مهترئة وهلامية.. وفي مقدمتها البيئات الإعلامية والتربوية والسياسية، التي لم تعكس سوى مجتمع أبوي فوقي استبدادي.. مثلما تجسدت هذه (البنى الفوقية)، بإقامة نظام سياسي، اعتمد مسألة الأمن القومي كتنظيم اجتماعي، وانساق سياسية وتربوية وتنموية على حساب تدهور التنمية الاقتصادية والعلمية والتربوية والبشرية وتخلف البيئات التعليمية بهشاشة مركزية التعليم، بأنساقه ومفاهيمه الذي يدور في فلك تقليدي، بمعزل عما تقتضيه العملية التنموية الشاملة وحاجات سوق العمل، وتهميش مراكز البحوث والدراسات العلمية، بقدر تهميش العلماء والمفكرين والباحثين، ومصادرة حرياتهم وتقييد مهماتهم.
 
وفي هذا الصدد فان العالم (أحمد زويل) قد وضع النقاط فوق الحروف، حينما استرسل خلال كلمته “ان هناك ضعفا كبيرا في التعليم في الدول العربية، حيث تتراوح نسبة الامية بين 30% و50%، كما أن إنتاج العالم العربي من البحث العلمي يقل عن 1%”.ولا يفوتنا القول هنا ان الوسائل الإعلامية التي تمثل وجها أساسيا من البنى الفوقية لدى أقطار الوطن العربي.. فانها سعت الى حجب المعلومات، والحجر على حرية الرأي والكلمة، والتعتيم على الحقائق والوقائع، بسياسة ديماغوجية تضليلية اتسمت بأساليب الترهيب والترغيب والإلهاء والتنفيس، التي لم تؤسس سوى مجتمع مستهلك وغير منتج، وفكر استهلاكي هابط.. بل فكر تبريري منكسر وانهزامي.. مثلما أبرزت هذه الأنظمة على السطح المجتمعي وفي دوائر الأضواء الإعلامية، المتمثلة في القنوات الفضائية، أنشطة وفعاليات قوى تيار الإسلام السياسي، التي فتحت المجالات أمامها واسعة من خلال ترتيب المقابلات وتنظيم اللقاءات والمناظرات ومختلف البرامج الدينية، ومن ثم الترويج لأجندة خطابها الديني..
 
ومن هنا يأتي النقد الايجابي للعالم (أحمد زويل) ليفتح الأفاق الرحبة أمام الكثير من العقول المغيبة في أوساط مجتمعاتنا العربية، هو حينما استطرد بالقول “ان هناك فوضى في الفتاوى على الفضائيات، وان هناك إعلاما عربيا يهاجم من دون سند او دليل، وهو امر قد يعاقب مرتكبه في الغرب”. في نهاية المطاف يمكن القول ان ما جاء على لسان العالم المصري الدكتور (أحمد زويل) من دعوة حضارية لأقطار وطننا العربي، حملت في أحشائها وماهيتها انتقادا ايجابيا وبناء، حول الخروج من أزمة التخلف التي يعانيها الوطن العربي حضاريا وعلميا وتعليميا وتربويا وإعلاميا وتكنولوجيا، قد جاءت مغازي ودلالات هذا النقد منسجمة وما أورده المفكر المصري (نصر حامد أبوزيد)، في كتابه (نقد الخطاب الديني) قائلا “ان الخطاب الديني يمثل الغطاء الإيديولوجي للأنظمة الدكتاتورية الرجعية وتكريس أشد الأنظمة الاجتماعية والسياسية رجعية وتخلفا”.. حسبما ترجمت مغازي دعوة العالم (أحمد زويل) بروز تلك الطبقات الفوقية من متخذي القرارات السياسية لدى حكومات الوطن العربي، وهي الطبقات المحافظة والانتهازية والوصولية والطفيلية على حد سواء
 
 
أخبار الخليج 4 يونيو 2010