المنشور

التدريب على الديمقراطية

الثقافة بطبيعتها ديمقراطية. ولكن ذلك لا يتحقق تلقائياً، ثمة جهود يجب أن تبذل من أجل ترسيخ القيم الديمقراطية في الثقافة، بنبذ أشكال التزمت والتعصب والتطرف وتكريس الانحياز العميق لقيم العقلانية والعلم والتسامح والانفتاح الحر والشجاع والنقدي في آن على تيارات العصر، سواء في ثقافتنا أو في الثقافات الأخرى دون خوف أو عقد.
وينبني على ذلك ضرورة النظر إلى الهوية الثقافية للشعب والأمة بوصفها حالة متحركة ومنفتحة، لا حالة جامدة أو منغلقة.
كما أن الانحياز للحداثة في الفكر وفي الإبداع هو من صميم ترسيخ الهوية الوطنية والقومية، التي تجد جذورها العميقة في الانتماء العربي – الإسلامي ، وليس نقيضاً له أو متعارضاً معه. فالحداثة نفسها قائمة كفكرة في التراث العربي الإسلامي نفسه.
ومادمنا في صدد الحديث عن ديمقراطية الثقافة، فعلينا أن نتوقف أمام ما ندعوه ثقافة الديمقراطية، لأن أسوأ أمرٍ ممكن أن نقع فيه أن نجد ديمقراطية بلا ديمقراطيين.
الديمقراطية هي ممارسة في المقام الأول يجب أن نتدرب عليها كي نتقنها، تماماً كما يتقن الرياضي أداء التمارين الرياضية، ويكتسب اللياقة بانتظام التدريب.
نحن جميعاً نحتاج مجتمعات غير ديمقراطية، وجزء كبير منا قادم من تنظيمات. وأخشى ما يخشاه المرء أن نأتي على الممارسة الجديدة بالذهنية السابقة غير الديمقراطية المعشعشة في ذهنية رفض الآخر.
على صلة بذلك نشير إلى ضرورة استقلالية المثقف، وللتدقيق فإننا لا نتحدث عن انعزال المثقف أو حياده أو تحصنه في برجه العاجي. وإنما ندعو إلى إقامة تلك المسافة الضرورية بين الثقافة والسياسة اليومية، بين المثقف والسياسي اليومي.
الثقافة معنية بصياغة المفاهيم التي تتطلب قدراً كافياً من التجريد، دون أن تنقطع عن الحياة. والمثقف المنخرط في الحياة وفي المجتمع معني في المقام الأول بأن يخلق ثقافة وإبداعاً، فهذا مجاله الحيوي الذي به يتحول هو نفسه إلى وجدان الناس ويعبر عنه في الآن ذاته.
ومثل هذا الفهم جدير بأن يؤمن للمؤسسات الأهلية المعنية بالشأن الثقافي والإبداعي فاعلية اكبر في دعم التحول الديمقراطي وتوطيده في أي مجتمع، ويجنبها مزالق الصراعات والمنافسات ذات الطبيعة السياسية لا الثقافية، بما يتسق والحاجة لبلورة مجتمع مدني فاعل ومستقل.
ومثل هذا المجتمع المدني لن يكون جديراً بالبقاء والتطور إن غاب عنه البعد الثقافي، في المعنى الشامل والمتكامل للثقافة، الذي هو لازمة من لوازمه.
 
صحيفة الايام
25 مايو 2010