المنشور

الأغلبية الصامتة والشعور باللاجدوى – 2

استكمالاً لحديث الأمس عن شعور الأغلبية الصامتة، التي تعارفنا على وصفها بهذا الوصف، باللاجدوى، وربما الإحباط، يصح التساؤل عما إذا كان السبب في ذلك عائدا إلى شعور هذه الشرائح الصامتة أن طبيعة الخطابات السياسية السائدة على تلاوينها، أكانت منتسبة للإسلام السياسي أو ممثلة للتوجهات العلمانية سواء للقوى الممثلة في البرلمان أو تلك التي كانت خارجه، قاصرة أو عاجزة عن تلبية تطلعاتها وتصوراتها لمستقبل البلاد؟
أم أن السبب يكمن في كون هذه الأغلبية الصامتة وجِلة تجاه المستقبل، مأخوذة بذكريات الماضي غير البعيد المريرة، وبالتالي فان إحدى روافع الدفع بهذه الشرائح نحو المزيد من الايجابية والانخراط في الحراك السياسي هو في خطوات تسريع الإصلاحات وتعميقها، بحيث انه كلما لمست نتائج ذلك على الأرض كلما تعمقت ثقتها في جدية ما نحن بصدده من تحولات؟
ونظن أن الحديث عن السببين الجوهريين الواردين أعلاه صحيح إلى حدٍ بعيد، لكن يظل الجزء المتعلق بخطاب القوى الناشطة أو بأساليب عملها أساسيا وجوهرياً، وإذا كان من درسٍ يمكن استخلاصه من حقيقة وجود هذه الأغلبية الصامتة، فهو دعوة القوى السياسية مجتمعة إلى إبداء المزيد من التواضع في حديثها عن تمثيل الناس، بصورةٍ مطلقة.
يصح هذا خاصة حين نلحظ أن هذه القوى، على تلاوينها المختلفة، ما زالت تخضع لمخاضٍ تتجلى مظاهره هنا وهناك في اتجاه بلورة صورة وخطاب هذه القوى في المستقبل وسط حراك سياسي يغلب عليه الطابع الانتقالي والتجريبي إلى حد بعيد.
يتجلى ذلك في ضعف، وأحياناً، في غياب الحدود الفاصلة التي تبرز فوارق اللون في الأطياف السياسية والاجتماعية في المجتمع، على قاعدة مبدأ تدوير الزوايا، التي لا تجعل الناس تشعر ما الفروق الجوهرية بين المكونات المختلفة للحركة السياسية في المجتمع.
وفي واقع مثل هذا فان ما يبرز على السطح هو الفروقات المذهبية والطائفية التي تجد دائما من يغذي هواجسها، وهي فروقات لا تعكس طبيعة أو جوهر التناقض الاجتماعي – السياسي في البلد بين قوى راغبة حقاً في الإصلاح السياسي، حتى لو كان تدريجياً، وعلى العكس من ذلك تظهر تناقض الأجندات الطائفية والمذهبية، التي استطاع اليسار ومجمل الحركة الوطنية والقومية في عقود سابقة من جعلها في مرتبة ثانوية، بل وإضعافها إلى حد كبير، لصالح إظهار المشتركات بين جماهير شعبنا بكل مكوناته في العمل من أجل الديمقراطية والإصلاح والمشاركة السياسية، وتأمين الحياة الحرة والكريمة للناس جميعاً، عبر التوزيع العادل للثروة وصون المال العام من أي تطاول عليه.
ليس مطلوباً أن ينخرط المجتمع كله في العمل السياسي، فهذا ضد منطق الأشياء، وليس ممكناً أن نجعل كل الناس على اهتمام بالشأن السياسي، فهذا محال، ولكن من المؤكد، ونحن أمام انتخابات قريبة قادمة، أنه بإمكاننا أن ندفع بقطاعات ليست قليلة من الأغلبية الصامتة إلى معترك الاهتمام بالشأن السياسي والانتخابي، حين ننجح في إظهار أن هناك بديلا للخيارات التي سادت في المجتمع خلال السنوات الماضية، خاصة إذا أظهر أصحاب هذا البديل جاهزيتهم للقيام بالدور المطلوب منهم.
 
صحيفة الايام
20 مايو 2010