المنشور

الأصل في البحرين هو التنوع

أفق الحياة هو في التباين لا في التماثل، والأصل في البحرين هو التنوع لا التنميط، وفي الآونة الأخيرة تكاثرت المؤشرات على أن هذا التنوع بات مهدداً، حين يدور الحديث عن أنماط السلوك والثقافة ونمط العيش، وكل ما يمكن أن ندرجه في نطاق الحريات المدنية، التي تباهينا كثيراً بها، لأنها هي التي أعطت الحياة في البحرين مذاقها المختلف.
والمحزن أن هذه المؤشرات لا تأتي من داخل الغرفة المنتخبة في المجلس الوطني، التي نعرف تكوينها الراهن، مما يجعلنا لا نتوقع منها خلاف ما تأتيه، ولكن الأمر تعدى ذلك ليشمل الغرفة المعينة، التي جرى التعارف، ولو على سبيل المجاز، أنها الغرفة «الليبرالية»، التي يمكن أن تخفف من الغلواء والشطط الذي يستهدف نطاق الحريات المدنية في هذا البلد.
نطاق الحريات المدنية والشخصية في البحرين لم يكن نتيجة قرار ليلغى بقرار، وإنما هو نتاج تطور اجتماعي وثقافي مديد اجتازه المجتمع البحريني، بموجبه تشكلت فضاءات التنوع في البحرين، التي تعايش معها البحرينيون بكل أريحية وتسامح، ولم يكن في هذا التنوع ما يحمل أحدنا على مغادرة أسلوب الحياة الذي اعتاده ولا نمط التفكير الذي يلائمه، سواء ورثهُ من بيئته التي ولد ونشأ فيها، أو اكتسبه من تجربته الخاصة في الحياة.
إضافة إلى هذا كله فانه ليس من حق تيار أو مجموعة أو فئة، كانوا من كانوا، أن يكيفوا البحرين وفق مزاجهم الخاص، أو هواهم الايديولوجي أو الاجتماعي، مهما قيض لهذا التيار من غلبة عددية في المجلس المنتخب، لأن البحرين يجب أن تكون لجميع أبنائها، من مختلف التكوينات ومشارب التفكير، وعلى الجميع احترام حق الآخرين في اختيار اسلوب المعيشة الذي يريدونه، إذا أردنا أن يحترم الآخرون خيارنا المختلف.
لا يصح، مهما كانت الحجج أو الذرائع، أن يُترك لفريق من الفرقاء أن يُملي على البلد وجهة نظر ليست هي محل اتفاق، وهذا أمر لا يشمل المجموعات الإسلامية وحدها، وإنما ينطبق على التيار الليبرالي، ونحن ضمنه، لأن هناك معطيات موضوعية هي نتاج تشكل المجتمع وتطوره، تفعل فعلها، لا يمكن التعاطي معها بشكل «ارادوي»، ونقصد بذلك إحلال الرغبة محل الواقع.
اذا لم يجر التبصر في المآل المقلق الذي يمكن أن نذهب إليه على ضوء الإشارات السلبية التي تأتينا كل يوم، فإننا سنصادر حق قطاعات واسعة في هذا المجتمع، ظاهرةً وكامنة، ليست راضية على ما يجري، وللأسف فإنها تستنكف عن إبداء اعتراضها عليه، ولكن هذا حديث آخر ربما تسنح لنا الفرصة العودة إليه.
لا تكمن الخطورة، كما يتبادر إلى الأذهان، في قرار بعينه اتخذه مجلس النواب وقد يوافق عليه مجلس الشورى، وإنما يكمن في فكرة التراجع عن مستوى من التطور الاجتماعي في البلد، والأمر إن بدأ بخطوة واحدة، فستليها خطوات وخطوات، لأن شهية الراغبين في مثل هذا التراجع لن تقف عند حد، وستكر سلسلة التراجع، حتى تجد الدولة ومعها المجتمع نفسيهما أسيرين لأجندة اجتماعية، لا نحسب أن مملكة البحرين التي نريدها عصرية وديمقراطية وقائمة على أسس التسامح، ترضاها لنفسها ولنا.
 
صحيفة الايام
3 مايو 2010