المنشور

خيار الزوال

تعبر أفغانستان وإيران عن خيار الزوال الذي اختارته المذاهبُ الطائفية المحافظة، أحدها تم اصطيادهُ في دولةِ الجبال، والآخر في الهضبة الواسعة.
الصراع السياسي العالمي مصائد، وتتم بذكاءٍ وفراسةٍ وبدفعِ الفريسة للمصيدة، حتى إذا فقدت الذكاء كلياً، وجهزت نفسها للذبح يتم ذبحها بدمٍ بارد.
تظهرُ هنا الآلياتُ الغائرةُ للمحافظين الذين نهبوا عامةَ المسلمين لقرونٍ طويلة، ولم يعطوا هذه العامةَ المغبونةَ فرصاً للعيش الكريم، وللتقدم، ولتطوير البناءات الوطنية فحل عليها القضاء من الخارج وبأيد أخرى مشبعة بالدهاء والاستغلال!
وليست القوى المعتدلة هي أخف خطراً من القوى المتطرفة التي تتاجر سياسياً بدين المسلمين، لكن القوى المتطرفة تعرضُ نفسَها للزوال بسرعةٍ وتنكشفُ نظراً لسذاجتها السياسية وحدتها.
وهي تسرعُ نحو المواد المتفجرة، وتتجه للسلاح، والسلاح الأكثر خطورة وهو السلاح النووي، والارهاب الدموي الشامل الذي لا يفرق بين الطفل والبالغ، بين الراشد وغير الراشد، فتعجل أكثر بزوالها!
القوى (المعتدلة) تقف على الأرضية نفسها، وهي غيرُ قادرةٍ على تجاوز موقع المحافظين وقده، وهو موقعٌ يعلنُ الارتدادَ عن الحضارةِ الحديثة بقسماتِها الإجباريةِ غير الاختيارية وهي العلمانية والديمقراطية والوطنية من دون الخروج من حضارات الأديان العريقة.
وعدم قبول المعتدلين يعني انهم ينتجون الأفكار نفسها، ويشكلون قوى التطرف نفسه، فالأرضية واحدة، وهي عدمُ قبولهم بسماتِ الحضارةِ العالمية الراهنة، التي في الكرة الأرضية أممٌ تقودُها وتفرضُها شاءوا أم أبوا!
وهذا يعني ان العمل ضمن الحيز الفقهي حتى لو كان محافظاً ولا يتفق وأسس الحضارة الحديثة ويتم فيه اضطهاد النساء والعقول الحرة والاستغلال البشع للفقراء فلا أحد يستطيع أن يجعله خطراً مباشراً على البشرية، وهو معادٍ لأسس الحضارة الحديثة التي سوف لن تتوقفَ قوانينُها عن إقناع الشعوب بها، أما أحكامها العاجلة فهي عدم استخدام الأسلحة الفتاكة وتعريض الناس للخطر.
وقد رأينا كيف استهترتْ القاعدةُ والحرسُ الإيراني بمصالح وأمن الشعوب وسلامتها، ولم تعدْ المسألةُ هنا المحافظةَ على فقهٍ متخلفٍ، معادٍ للمسلمين، بل تركيب أسلحة للهجوم وفرضه بالقوة الخطرة وتعريض البشر للموت الواسع!
برنامجهم هو العودةُ للوراء ورفض الحداثة وعدم القبول بمعايير المساواة بين الرجال والنساء، بين الحكام والمحكومين، واحترام العقول والتعددية، وعودة الأموال العامة لأصحابها، ورقابة الأمم على حقوقها.
هذا من سياساتهم الداخلية ومن أفكارهم، لكن التلاعب بالسلاح ليست مسألة داخلية، ولا هي لعبة وطنية، بل قضية عالمية.
إن الدينيين السياسيين هم مرضى اجتماعيون تم إطلاقهم في الشوارع السياسية الوطنية، نظراً لانتهازيةِ الحكوماتِ وسذاجة الشعوب الشرقية، وكان يجب معالجتهم وتغيير الحياة الاجتماعية المتخلفة التي عاشوا فيها.
لكن خروجَ هؤلاء للشوارعِ المناطقية والعالمية ممنوع، وقد تم استخدامهم فيما سبق وكانت النتائج وخيمة.
برامجُ العودةِ للوراء ورفضُ التقدم ليس لها سوى الصدام مع العالم، لكن يتم جر الشعوب الإسلامية إليه ودفعها فيه، مما يدعو إلى ضرورةِ تصاعد يقظة هذه الشعوب ونقد البرامج المحافظة المرتبطة باستراتيجية المواجهة مع العصر الحديث.

صحيفة اخبار الخليج
22 ابريل 2010