المنشور

فقاعة توظيف الأموال..من المسؤول؟!


في الوقت الذي يكثر فيه الحديث لدينا عن الفساد والمفسدين وغسيل الأموال وشركاته، وتفاقم المحسوبية وغيرها من وجوه الفساد المنظم في القطاعين العام والخاص، تبرز للسطح أزمة شركات توظيف الأموال لتلقي بظلالها على المشهد العام هنا في البحرين، فلا زالت العديد من الأسر والأفراد ممن تورطوا أو وُرِطوا في التعامل مع تلك الشركات الوهمية لا يجدون لهم مخارج تعيد لهم ولو جزءا يسيرا من مدخراتهم ومن تحويشة العمر أو من مدخراتهم التقاعدية التي ذهبت أدراج الرياح، ولا زالت الألسن ووسائل الإعلام تتداول قصص مرعبة لأفراد وأسر تُركوا لوحدهم في مواجهة مصير مظلم وجدوا أنفسهم جميعا فيه دون أن يفكروا فيه يوما، وهم الذين حركتهم نوازع خيرة لكنها غير محسوبة، اعتمدتها عواطفهم وربما قلة وعي البعض منهم طريقا نحو وهم الثراء السريع، وقد وُظفت لأجل ذلك أدوات ومشاعر دينية و ولاءات و وشائج قربى ليستكمل المشهد بانوراميته أمام سمع ونظر كل الجهات المعنية التي تصرفت وكأن الأمر لا يعنيها وسط انبهار المأخوذين بسحر الثراء الواهم، فيما كان البسطاء والفقراء يستدينون من البنوك والشركات المالية ليفرغوا كل ما تم استدانته في جيوب تلك الشركات الوهمية، التي استعانت كما جاء في الأخبار التي تناقلتها وسائل الأعلام بحاويات الموز والفواكه عوضا عن البنوك والمصارف لتخزينها! فيما قيل للسواد الأعظم منهم انه ليس من حقهم حتى مجرد السؤال عن أوجه استثمار أو توظيف تلك الأموال، فذلك يجب أن يظل سرا من أسرار الاستثمار الموعود، ولا يراد لهم أن يقحموا أنفسهم فيه طالما أرباحهم الموعودة تدخل بانتظام إلى حساباتهم البنكية! ليصحو الجميع ودون استثناء تقريبا، على وقع الصاعقة التي لم توفر أحدا ليذهب الجميع إلى مصيرهم المحتوم بعدها، ليكونوا بذلك ضحايا جشع البعض، ليس فقط من ائتمنوهم على أموالهم وإنما من قبل الجهات المعنية في الدولة التي تركتهم طيلة تلك السنوات لقدرهم دون توجيه ودون أي نوع من الرقابة، فلم يحرك المصرف المركزي ساكنا وهو المسئول المباشر عن حركة الأموال ووجوه الاستثمار المالي وقنواته، وكأن مجرد رفض إعطاء رخص للاستثمار يعد كافيا في نظرهم، فيما الجميع كان يسمع على الدوام ويتابع أخبار تلك الشركات وهي تعيث خرابا في الاقتصاد وتسرق علنا أموال البسطاء دون واعز من ضمير، ولم تحرك بقية الوزارات المعنية بالأمن الاقتصادي والاجتماعي ساكنا وربما اكتفى بعضهم بما يمكن أن نسميه بالرقابة اللاحقة ولكن بعد ماذا؟ بعد أن وقع الفأس في الرأس كما يقال!

قضية شركات توظيف الأموال هذه ليست وليدة يومها، فقد كانت هناك على الدوام شركات وهمية وأفراد ونوازع جشع لدينا وفي العديد من دول العالم، فلا زلنا نتذكر جيدا تلك القضايا المزلزلة في الشقيقة مصر منذ ثمانينات القرن الماضي، حين نهبت شركات توظيف الأموال حينها باسم الدين والاستثمار الشرعي الآمن وغير الربوي مدخرات فقراء مصر وطبقتها الوسطى لصالح شركات وهمية، وذات الشيء حدث في الأردن وفي الامارات العربية المتحدة ومؤخرا في أمريكا مع قضية الملياردير “مادوف” ومن الحكمة والمنطق أن تحرك تلك الممارسات بدورها العديد من الجهات الرسمية والأهلية للوقوف في وجه تلك الممارسات حفاظا على مصالح المواطنين وسمعة الوطن الاقتصادية! ولكن ذلك لم يحدث بكل أسف، وكان على الجهات الرسمية أن لا تسمح بداية بأي شكل من أشكال توظيف الأموال خارج القانون، فقد استغلت تلك الشركات تراجع أسعار الفائدة والكساد الاقتصادي وعزوف الناس حينها عن الادخار لدى البنوك والمؤسسات المالية ليستحلبوا عرق الفقراء لصالح نهمهم الذي لن يتوقف وهم الذين تفننوا في الولوج بين ثغرات القوانين المطاطة مستندين إما على فتاوى عابرة أو تجاهل رسمي غير مبرر.

بقي أن نقول أن تداعيات قضايا شركات توظيف الأموال ستكشف قريبا المزيد من وجوه الاستلاب واسترخاص حقوق البسطاء، وستلوث معها سمعة اقتصادنا الوطني، لتتراجع الثقة فيه بعد أن تنفجر تلك الفقاعة المتضخمة المسكوت عنها طويلا من قبل الجميع، بأمل أن تلتفت الجهات المعنية بالاستثمار والاقتصاد الوطني وسمعة الوطن يوما لوضع ضوابط وآليات رقابية صارمة بعد أن أسكرتنا نشوة المضاربات وعوائدها، محاولين أن نقنع أنفسنا عبثا أنها دليل نجاح وعافية اقتصادية، ولن يكون ذلك ممكنا في ظل حالة التراخي وعدم الاهتمام بالاستثمار المحلي، الذي تجري التضحية به لحساب دعوات جلب الاستثمارات الأجنبية التي نعرف سلفا أنها لن تأتي أبدا لبيئة موبوءة كهذه، ولابد من خلق بيئة استثمارية أكثر إبداعا ومرونة وتنوعا لتوظيف فوائض ومدخرات مواطنينا المالية بشكل مسئول وفاعل، وليكن لنا في تجارب دول من بينها ماليزيا على وجه التحديد مثالا يحتذى لتنمية وحفظ مدخرات أبناء الوطن وعدم السماح بضياعها لصالح نزعات الجشع والاستهتار.